التبيان الجامع لعلوم القرآن
القراءاة:
قرأ { واعدنا } بغير الف أهل البصرة، وابو جعفر هنا وفي الاعراف، وطه
وقرأ الباقون بالف قبل العين، وقرأ ابن كثير وحفص والبرجمي ورويس { اتخذتم }
(واخذتم) وما جاء منه باظهار الذال. ووافقهم الأعشى فيما كان على وزن افتعلت وافتعلتم. الباقون بالادغام. حجة من قرأ باثبات الالف دلالة الله على وعده وقبول موسى لأنه اذا حسن في مثل قوله: { { أخلفوا الله ما وعدوه } الاخبار كان هنا في الاختيار واعدنا. ومن قرأ بالالف، قال: هو اشد مطابقة للمعنى اذا القبول ليس بوعد في الحقيقة انما هو اخبار الموعود بما يفعل به من خير. وعلى هذا قوله: "اخلفوا الله لما وعدوه" مجاز حقيقة بما اخبروه انهم فاعلوه وقال جماعة من أهل العلم: ان المواعدة في الحقيقة لا تكون إلا من البشر والله تعالى هو المتفرد بالوعد والوعيد. كما قال تعالى { { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين } وقال:
{ { وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات } والقراءتان جميعاً صحيحتان قويتان
اللغة:
"وإذ" معطوفة على الآيات المتقدمة: كأنه قال: واذكروا اذ وعدنا وبينا وجه الحسن فيه فالوعد، والعدة، والموعد والميعاد، نظائر. والوعد في الخير والوعيد في الشر يقال وحده: وعدا. واوعده: ايعاداً. وواعده: مواعدة.
تواعدوا: تواعداً. واتعدوا: اتعاداً. وتوعدوا ـ في الشر خاصة ـ قال صاحب العين: الوعد والعدة مصدران ويكونان اسمين. فاما العدة فيجمع على العدات والوعد لا يجمع. والموعد: موضع التواعد. وهو الميعاد. ويكون الوعد مصدر وعدته. ويكون الموعد وقتاً للحين. والموعدة اسم العدة. والميعاد: لا يكون
إلا وقتاً أو موضوعا. والوعيد من التهدد، أوعدته المكاره ويقال ايضاً: وعدته من الشر كقوله: { النار وعدها الله الذين كفروا } ووعد الفحل: اذا هم ان يصول. واصل الباب: الوعد الذي هو الخبر بانه سيفعل بالمخبر به خيراً أو شراً وقال احمد ابن يحيى: تقول أوعدته، وتسكت أو تجيء بالباء تقول: أوعدته بالشر ولا تقول اوعدته الشر.
وموسى اسم مركب من اسمين بالقبطية (فمو) هو الماء و (سى) شجر.
وسمي به، لأن التابوت الذي كان فيه موسى وجد عند الماء، والشجر وجدنه جواري آسية امرأة فرعون وقد خرجن ليغتسلن، فسمي بالمكان الذي وجد فيه وهو موسى بن عمران بن يصمر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب اسرائيل الله.
المعنى:
وقال: { أربعين ليلة } ولم يقل يوماً على عادة العرب في التاريخ بالليالي، لأن الأهله تطلع فيها. واعتمادهم على الأهلة. وقال الأخفش. وعد باتمام اربعين ليلة، أو انقضاء اربعين ليلة كقولك: اليوم أربعون يوما مذ خرج فلان. واليوم يومان:
أي تمام يومين. وقال غيره: الاربعون كلها داخلة في الميعاد. قال ابو العالية: واعدنا موسى اربعين ليلة يعني ذا القعدة وعشراً من ذي الحجة وقال غيره: ذا الحجة وعشراً من المحرم. وذلك حين خلف موسى اصحابه واستخلف عليهم هارون فمكث على الطور أربعين ليلة وانزلت عليه التوراة في الالواح. وعن الربيع نحوه. وقال الطبري: لا يجوز ما قاله الاخفش، لأنه خلاف ظاهر التلاوة وما جاءت به الرواية قال الرماني: في هذا غلط ظاهر. ان الوعد لا يتصل وقوعه في الاربعين كلها اذا كان الوعد هو الاخبار الموعود بما فيه النفع، فلم يكن ذلك الخبر في طول تلك المدة فلا بد على ذلك ان يكون التقدير على ما قاله الاخفش أو على وعدناه اقامة اربعين ليلة للمناجاة أو غيبته اربعين ليلة عن قومه للمناجاة، وما اشبه ذلك من التقدير.
قال ابو علي: لا يخلو ان تكون { أربعين } ظرفا مفعولا ثانياً. ولا يجوز ان
تكون ظرفا، لأن الوعد ليس فيها كلها فيكون جواب كم. ولا في بعضها فيكون جوابا لمتى. فاذا لم تكن ظرفا كانت منتصبة بوقوعها موقع المفعول الثاني. فيكون تقديره: وعدنا موسى انقضاء اربعين ليلة أو تتمة أربعين ليلة فحذف المضاف كما يقول اليوم خمسة عشر من الشهر أي تمامه.
اللغة:
والاربعة عدد يزيد على الثلاثة، وينقص عن الخمسة يقال: ربع يربع ربعا.
وربع تربيعا وتربع تربعا. وارتبع ارتباعا تقول ربعت القوم فانا رابعهم. والرابع من الورد وهو ان تحبس الابل عن الماء اربعة ايام ثم ترد يوم الخامس. وربعت الحجر بيدي ربعا اذا رفعته عن الارض بيدك. وارتبعت الحجر كذلك. وربعت الوتر اذا جعلته اربع طاقات، وتقول: أربع على ضلعك، واربع على نفسك، واربع عليك كل ذلك واحد بمعنى انتظر. والربع المنزل والموطن. والربع الفصيل الذى نتج في الربيع وما ينتج بالصيف يقال له: هبع وفي المثل ما له هبع ولا ربع. ورجل ربعة ومربوع: ليس بطويل ولا قصير. والربعة: الجونة. والمرباع كانت العرب اذا غزت اخذ رئيس القوم ربع الغنيمة، والباقي بينهم. واول الاسنان الثنايا، ثم الرباعيات وهي اربعة ثنيتان من تحت وثنيتان من فوق والواحد رباعية واربع الفرس اذا القى رباعية من السنة الاخرى. والجمع الربع. والربيعة: هي البيضة من السلاح. يقال: ربعت الارض فهي مربوعة من الربيع. وارتبع القوم: اذا اصابوا ربيعا وحمر ربع ما لي يوم الرابع والمربعة خشبة تشال بها الاحمال، وتوضع على الابل والربع:
الباهر. ورجل مربوع ومربع: اذا اخذته حمى الربع والربيع حظ من الماء للارض ربع يوم او ربع ليلة يقال لفلان في الماء ربيع وربع المال جزء من اربعة ويقال له:
ربيع ولم يتجاوز العرب في هذا المعنى الثمين وقال بعضهم: التسيع والعشير والاول اظهر واصل الباب الاربعة من العدد والاربعة تجري تارة على نفس العدد، واخرى على المعدود فاذا اجربته على العدد، قلت اربعة اثواب واذا اجريته على المعدود قلت. اثواب اربعة.
وليلة وعشية ومساء نظائر ويقال يوم وليلة. على طريق النقيض. قال صاحب العين: الليل ضد النهار. والليل ظلام الليل. والنهار الضياء. فاذا افردت احدهما من الآخر قلت: ليلة ويوم تصغيرها لييلة اخرجوا الياء الاخيرة من مخرجها في الليالي يقول بعضهم: انما كان بناؤها ليلاء فقصر يقولون: هذه ليلة ليلاء: اذا اشتدت ظلمتها. قال الكميت:
وليلهم الاليل
هذا لضرورة الشعر. في الكلام ليلاء. والليلة: الوقت من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني. واليوم من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
قال ابو زيد اتخذنا ما لا فنحن نتخذه اتخاذاً وتخذت تخذا. قال ابو علي اتخذ افتعل ومنه تخذت. قال الله تعالى: { لو شئت لاتخذت عليه أجرا }
وتخذت: لا يتعدى، إلا إلى مفعول واحد. واتخذت تارة يتعدى إلى مفعول واحد وتارة إلى مفعولين فتعديه إلى مفعول واحد. مثل قوله: { { يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا } ومثل قوله: { { واتخذوا من دون الله آلهة } وتعديه إلى مفعولين مثل قوله تعالى { { اتخذوا أيمانهم جنة } وقوله: { { لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } وقوله: { { فاتخذتموهم سخريا } ومن ادغم فلقرب مخرج الذال من مخرج التاء. ومن لم يدغم فلان مخرجهما متغاير.
والعجل والثور والبقرة نظائر. الا أن العجل هو البقرة الصغيرة ويقال عجل وعجول. واشتقاقه من عجل يعجل عجلة واعجله اعجالا. واستعجل استعجالا. وتعجل تعجلا. وعجل تعجيلا. وعاجلته معاجلة. وتعاجلوا تعاجلا. ورجل عَجِل وعَجُل لغتان. وتقول: استعجلت فلانا أي حثثته واعجلت فلانا اعجله اعجالا وتعجلت خراجه أي كلفته ان يعجله ورجل عجلان وامرأة عجلى وقوم عجال ونسوة عجال.
والعجال الابل. والعجل عجل الثيران والواحدة عجلة ويجمع على الاعجال والعجالة ما
تعجلت من شيء. والعجالة طعام الراكب الذي لا يحسن طبخه ويقال: هو تمر ولبن والعجلة الادواة الصغيرة وهي المطهرة. والجمع العجال. والعاجلة: نقيض الآجلة يعني الدنيا والآخرة. والعاجل: نقيض الآجل عام في كل شيء تقول عاجل وآجل.
والعجل: ولد البقرة. وجمعه عجاجيل ويقال عجول. والانثى: عجولة وقوله:
{ { خلق الأنسان من عجل } يقال إن آدم "ع" حين بلغ الروح منه إلى الركبتين همّ بالنهوض قبل ان تبلغ القدمين فقال الله تعالى: { خلق الأنسان من عجل } واورثنا آدم العجلة. والعجل الظنين: من غير الخليل والعجل خشب يؤلف شبه المحفة تجعل عليه الاثقال. وجمعه الاعجال. وصاحب عجال واصل الباب العجل الذي هو الاسراع. والعجلة والسرعة والخفة نظاير ونقيض العجلة التأني ونقيض السرعة: الابطاء
وبعد نقيض قبل تقول: كان هذا بعد هذا. وتقول: بعد بعدا. او ابعده الله إبعاداً وتباعد تباعدا وباعده مباعدة. واستبعده استبعاداً. وبعده تبعيداً.
وتبعد تبعدا. قال صاحب العين بعد لما يكون على اثر الشيء اذا كان قد مضى فاذا افردوا قالوا: هو من بعد: كقوله تعالى: { { لله الأمر من قبل ومن بعد } وتقول: بعداً وسحقا. ويقرأ: { { باعد بين أسفارنا } وبعد بمعنى واحد.
والابعد نقيض الاقرب. والجمع: اباعد واقارب ويقرأ { بعِدت ثمود } و { بَعُدت ثمود } ومعناهما واحد إلا انهم يقولون: بعد الرجل وابعده الله والبعد من اللعن يقول: ابعده الله أي لا يرثي له مما نزل به وقال ابن دريد: البعد: ضد القرب وبعد ضد قبل. وسمع ابو زيد العرب تقول: فلان غير بعيد وغير بعد واصل الباب البعد نقيض القرب.
المعنى:
ومعنى قوله: { ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون } أي اتخذتموه إلهاً لأن بنفس فعلهم لصورة العجل لا يكونون ظالمين، لأن فعل ذلك ليس بمحظور وانما هو مكروه وما روي عن النبي "صلى الله عليه وسلم" انه لعن المصورين معناه: من شبه الله بخلقه او اعتقد فيه انه صورة فلذلك قدر الحذف في الآية. كانه قال: اتخذتموه الهاً وذلك انهم عبدوا العجل بعد موسى لما قال لهم السامري: هذا الهكم واله موسى. فنسي اي ترك آلهم ومضى ناسيا. وقيل: بل معنى فنسي اي فترك ما يجب عليه من عبادة الله.
قصة السامرى:
وكان سبب عبادتهم العجل ما ذكره ابن عباس. ان السامري كان رجلا من اهل (با كرم) وكان من قوم يعبدون البقر. وكان حب عبادة البقر في نفسه.
وكان قد اظهر الاسلام في بني اسرائيل، فلما قصد موسى إلى ربه خلف هرون في بني اسرائيل: قال لهم هرون: انكم تحملتم اوزارا من زينة آل فرعون، وامتعة وحلي، فتطهروا منها، فانها بخس، واوقد لهم ناراً. وقال لهم: اقذفوا ما كان معكم فيها. فجعلوا يأتون بما كان معهم من تلك الامتعة ووذلك الحلي، فيقذفون به فيها.
حتى اذا انكسر الحلي ورأى السامري اثر فرس جبرئيل، فأخذ ترابا من اثر حافره، ثم اقبل إلى النار. فقال لهرون يا نبي الله القي ما في يدي؟ قال نعم ولم يظن هرون الا انه كبعض ما جاء به غيره من الحلي والامتعة. فقذف فيها وقال كن عجلا جسداً له خوار وكان البلاء والفتنه وقال: هذا الهكم واله موسى، فعكفوا عليه واحبوه حبا لم ير مثله قطاً.
اللغة:
وسمي العجل عجلا مأخوذ من التعجيل لأن قصر المدة كالعجل في الشيء. وقال ابو العالية: انما سمّي العجل عجلا، لانهم عجلوا فاتخذوه قبل أن يأتيهم موسى.
وقال الحسن صار العجل لحماً ودماً. وقال غيره لا يجوز لأن ذلك من معجزات الانبياء. ومن وافق الحسن قال: ان القبضة من اثر الملك كان الله قد اجرى العادة بانها اذا طرحت على اي صورة كانت حية، فليس ذلك بمعجزة اذ سبيل السامري
فيه وسبيل غيره سواء. ومن لم يجز انقلابه حيا، فاوّل الخوار على ان السامري جعل فيه خروقا، فدخلها الريح فحدث فيه صوت كالخوار.
وانما قال: { وأنتم ظالمون } يعني ظالمي انفسهم اذا دخلوا عليها الضرر بما يستحقون على عبادته من العقوبة والظلم. وقد يكون للنفس وقد يكون للغير.
وانما وصفوا بانهم اتخذوا العجل الها وهي صفة ذم لهم بما لم يفعلوا لرضاهم بما كان عليه اسلافهم، وسلوكهم طرائقهم في المخالفة لأمر الله، والذم على الحقيقة على افعالهم فان كان اللفظ على افعال اسلافهم فاخرج اللفظ مخرج من كانهم فعلوا ذلك لسلوكهم تلك الطرق وعدولهم إلى المخالفة. فالذم متعلق بما كان منهم في الحقيقة، فان قيل:
هل هذا الميقات في قوله: واعدنا موسى ثلثين ليلة واتممناها بعشر. قيل: قال ابو علي وابو بكر بن اخشاذ واسمه احمد بن علي ان هذا ذاك وفي الناس من قال:
هو غيره والاول اظهر، وانما ذكر الثلاثين واتمها بعشر والاربعين قد تكمل بعشرين وعشرين، لأن الثلاثين اراد بها ذا القعدة وذا الحجة فذكر هذا العدد لمكان الشهر ثم ذكر ما يتم به العدد اربعين ليلة.
وانما قال { أربعين ليلة } ولم يقل اربعين يوماً، لتضمن الليالي الايام على قول المبرد، ومعنى ذلك: انه اذا ذكرت الليالي دخلت فيها الايام وليس اذا ذكرت الايام دخلت الليالي فيها. هكذا هو الاستعمال، والصحيح ان العرب كانت تراعي في حسابها الشهور والأيام والأهلة. فاول الشهر الليالي ولذلك ارخت بالليالي وغلبتها على الايام ولذلك صارت الايام تابعة لليالي. واكتفى بذكر الليالي من الايام، فقيل لعشر خلون. ولم يقولوا لعشرة لأنه جرى على ما جرى على الليالي.
"واتخذ" قال الرماني: وزنه افتعل واصله يتخذ فقلبت الياء تاء وادغمت في التاء التي بعدها وقال ابو علي يتخذت وليس من اخذت، لان الهمزة لا تبدل من الياء ولا تبدل الياء منها، واتخذت لا تكون افتعلت من اخذت وتكون ابدلت الهمزة ياء ثم ادغمت في التاء كما قالوا يسر الجزور وهو من اليسر لانه لا يجوز على قول اصحابنا لاختلاف الحرفين وفائدة الآية التعجب من قولهم اذ كانوا في مقدار هذه المدة
اليسيرة لغيبة موسى عنهم اتخذوا العجل الها وادغام الذال عند التاء جائز وتركه أيضاً كذلك جائز.