التفاسير

< >
عرض

خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً
١٠١
يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً
١٠٢
يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً
١٠٣
نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً
١٠٤
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً
١٠٥
فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً
١٠٦
لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً
١٠٧
-طه

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابو عمرو وحده { يوم ننفخ } بفتح النون مع قوله { ونحشر }. الباقون { ينفخ } بالياء على ما لم يسم فاعله. قوله { خالدين } نصب على الحال، والعامل فيه (العذاب) الذي تقدم ذكره من الوزر، والمعنى فى عذاب الاثم { وساء لهم يوم القيامة حملاً } نصب { حملاً } على التمييز. وفاعل { ساء } مضمر، وتقديره: ساء الحمل حملا، الا انه استغني بالمفسر عن اظهار المضمر، كقولهم بئس رجلا صاحبك. وانما اضمر، ثم فسره، لأنه افخم واهول، والمعنى وساء ذلك الحمل الوزر لهم يوم القيامة حملا، فيما ينزل بهم.
وقوله { يوم ينفخ في الصور } فالنفخ اخراج الريح من الجوف بالدفع من الفم، فهذا اصله، ثم قد يسمى احداث الريح من الزقّ او البوق نفخاً، لأنه كالنفخ المعروف. و { الصور } قيل في معناه قولان:
احدهما - انه جمع صورة، كل حيوان تنفخ فيه الروح، فتجري في جسمه، ويقوم حيّاً باذن الله.
والثاني - انه قرن ينفخ فيه النفخة الثانية ليقوم الناس من قبورهم عند تلك النفخة تصويراً لتلك الحال فى النفوس بما هو معلوم، مما عهدوه من بوق الرحيل وبوق النزول.
وقوله { ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً } قيل: معناه إنه أزرقت عيونهم من شدة العطش. وقيل: معناه عمياً، كما قال
{ { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً } كأنها ترى زرقاً وهي عمي. وقيل: المعني فى { زرقاً } تشويه الخلق: وجوههم سود وأعينهم زرق.
وقوله { يتخافتون بينهم } معناه يتشاورون بينهم - في قول ابن عباس - ومنه قوله { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } ومعناه لا تعلن صوتك بالقراءة فى الصلاة كل الاعلان ولا تخفها كل الاخفاء
{ { وابتغ بين ذلك سبيلاً } وقوله { إن لبثتم إلا عشراً } يعني ما أقمتم فى قبوركم إلا عشراً. وانما يقولون ذلك القول لانهم لشدة ما يرونه من هول القيامة ينسون ما لبثوا فى الدنيا، فيقولون هذا القول. وقيل: معناه وتأويله انه يذهب عنهم طول لبثهم فى قبورهم لما يرون من أحوالهم التي رجعت اليهم، كأنهم كانوا نياماً، فانتبهوا. وقال الحسن: إن لبثتم إلا عشراً يقللون لبثهم فى الدنيا لطول ما هم لابثون فى النار.
ثم قال تعالى { نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة } أي اصلحهم طريقة وأوفرهم عقلا. وقيل: أكثرهم سداداً، يعني عنه نفسه { إن لبثتم إلا يوماً } قال ابو علي الجبائي: معناه { إن لبثتم إلا يوماً } بعد انقطاع عذاب القبر عنهم، وذلك ان الله يعذبهم ثم يعيدهم.
ثم قال لنبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) { ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً } قيل: انه يجعلها بمنزلة الرمل، ثم يرسل عليها الرياح فتذريها كتذرية الطعام عن القشور والتراب. وقيل: ان الجبال تصير كالهباء { فيذرها قاعاً صفصفاً } قال ابن عباس: الصفصف الموضع المستوي الذي لا نبات فيه، وهو قول مجاهد وابن زيد. وقيل هو المكان المستوي كانه على صف واحد فى استوائه، والقاع قيل: هو الارض الملساء. وقيل مستنقع الماء وجمعه اقواع قال الشاعر:

كان أيدهن بالقاع القرق أيدي جوار يتعاطين الورق

وقال الكلبي: الصفصف ما لا تراب فيه. { لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً } يعني وادياً ولا رابية - فى قول ابن عباس - وقيل { عوجاً } معناه صدعاً { ولا أمتاً } يعني اكمة. وقيل: معنى { عوجاً } ميلاً و { أمتاً } اثراً. وقال ابو عبيدة: { صفصفاً } اي مستوياً املساً. و { العوج } مصدر ما اعوج من المجاري، والمسايل والأودية والارتفاع يميناً وشمالا و "لا أمتاً" اي لا رباً ولا وهاد، أي لا ارتفاع فيه ولا هبوط، يقال: مد حبله حتى ما ترك فيه امتاً، وملأ سقاه حتى ما ترك فيه أمتاً أي انثناء، قال الشاعر:

ما فى انحداب سيره من أمت