التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ يٰمُوسَىٰ
١١
إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى
١٢
وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ
١٣
إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ
١٤
إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ
١٥
-طه

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن كثير وابو عمور { إني أنا ربك } بفتح الهمزة والياء. الباقون بكسرها وسكون الياء إلا نافعاً فانه فتح الياء. وقرأ ابن كثير وابو عمرو ونافع وعاصم وحمزة والكسائي { طوى } بضم الطاء مصروفاً. وروى بكسر الطاء غير مصروف ابو زيد عن أبي عمرو. وقال: هي أرض. وقرأ { وإنا اخترناك } بالتشديد بالف حمزة، واصله واننا اخترناك والنون والالف نصب بـ (إن) و (ان) مع ما بعدها فى موضع نصب بتقدير، نودي { إنا اخترناك }. وقرأ الباقون { وأنا اخترتك } على التوحيد فـ { أنا } رفع بأنه ابتداء و { اخترتك } خبره. وفى قراءة أبي { وإنني اخترتك } فهذه تقوي قراءة حمزة والكسائي.
من لم يصرف { طوى } يجوز أن يكون اعتقد انه معدول عن (طاو) وهو معرفة، ويجوز أن يكون نكرة، لأنه اسم البقعة.
يقول الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وسلم) إن موسى (ع) لما أتى النار التي آنسها نودي، فقيل له يا موسى، والنداء الدعاء على طريقة يا فلان، وهو مد الصوت بنداء على هذه الطريقة يقال: صوت نداء، وذلك أنه بندائه يمتد { إني أنا ربك } فيمن فتح الهمزة. فالمعنى نودي بأني أنا، ولما حذف الباء فتح. ومن كسرها فعلى الاسنئناف أو على تقدير قيل له إني أنا ربك الذي خلقك ودبرك { فاخلع نعليك } وانما علم موسى (ع) أن هذا النداء من قبل الله تعالى بمعجزة أظهرها الله، كما قال في موضع آخر
{ { نودي من شاطيء الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين * وان ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبراً ولم يعقب } حتى قيل له { { يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين } وقيل السبب الذي لأجله أمر بخلع النعلين فيه قولان:
احدهما - ليباشر بقدميه بركة الوادي المقدس في قول علي (ع) والحسن وابن جريج.
وقال كعب وعكرمة: لانها كانت من جلد حمار ميت. وحكى البلخي أنه امر بذلك على وجه الخضوع والتواضع، لان التحفي في مثل ذلك أعظم تواضعاً وخضوعاً.
والخلع نزع الملبوس يقال: خلع ثوبه عن بدنه وخلع نعله عن رجله. وقد ينزع المسمار، فلا يكون خلعاً، لانه غير ملبوس ويقال: خلع عليه رداءه كأنه نزعه عن نفسه وألبسه اياه. والوادي سفح الجبل. ويقال للمجرى العظيم من مجاري الماء واد واصله عظم الامر. ووديته إذا أعطيته ديته، لأنها عطية عن الأمر العظيم من القتل. والمقدس المبارك - فى قول ابن عباس ومجاهد - وقيل هو المطهر، قال امرؤ القيس:

كما شبرق الولدان ثوب المقدس

يريد بالمقدس: العابد من النصارى، كالقسيس ونحوه و (شبرق) أي شق.
وقيل فى معنى (طوى) قولان:
احدهما - قال ابن عباس ومجاهد وابن زيد: هو اسم الوادي.
وقال الحسن: لانه طوي بالبركة مرتين، فعلى هذا يكون مصدر طويته طوى، وقال عدي بن زيد:

آعاذل ان اللوم فى غير كنهه عليّ طوى من غيك المتردد

وقوله { وأنا اخترتك } اي اصطفيتك { فاستمع لما يوحى } اليك من كلامي واصغ اليه وتثبت { إني أنا الله لا إله إلا أنا } أي لا إله يستحق العبادة غيري { فاعبدني } خالصاً، ولا تشرك في عبادتي احداً { وأقم الصلاة لذكري } أي لتذكرني فيها بالتسبيح والتعظيم - في قول الحسن ومجاهد - وقيل: معناه لأن أذكرك بالمدح والثناء. وقيل المعنى متى ذكرت ان عليك صلاة كنت فى وقتها أوفات وقتها، فأقمها. وقرئ - بفتح الراء - قال أبو علي: يحتمل أن يكون قلب الكسرة فتحة مع ياء الاضافة.
ثم اخبر الله تعالى بأن الساعة يعني القيامة { آتية } أي جائية { أكاد أخفيها } معناه أكاد لا أظهرها لاحد - في قول ابن عباس والحسن وقتادة - أي لا أذكرها بأنها آتية، كما قال تعالى
{ { لا تأتيكم إلا بغتة } وقيل { أخفيها } بضم الألف بمعنى أظهرها، وانشد بيتاً لأمرئ القيس بن عابس الكندي:

فان تدفنوا الداء لا نخفه وإن تبعثوا الحرب لا نقعد

فضم النون من نخفه - ذكره ابو عبيدة - قال انشدنيه ابو الخطاب هكذا، وانشده الفراء بفتح النون. وقال ابي بن كعب: المعنى { أكاد أخفيها } من نفسي. قال ابن الانباري تأويله من نفسي { أكاد أخفيها } أي من قبلي، كما قال { { تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك } }. وقوله { لتجزي كل نفس بما تسعى } اي تجازي كل نفس بحسب عملها، فمن عمل الطاعات اثيب عليها، ومن عمل المعاصي عوقب بحسبها