التفاسير

< >
عرض

لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ
٦
وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى
٧
ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ
٨
وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ
٩
إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى
١٠
-طه

التبيان الجامع لعلوم القرآن

يقول الله تعالى إن { له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى } المعنى انه مالك لجيمع الاشياء واجتزى بذكر بعض الاشياء عن ذكر البعض لدلالته عليه، كما قال { { الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم } ولم يقل وعلى ظهورهم، لان المفهوم انهم يذكرون الله على كل حال. ومثله قوله { { والله ورسوله أحق أن يرضوه } لما كان رضا احدهما رضا الآخر، ومثله قوله { { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله } ولم يقل ينفقونهما لدلالته على ذلك و { الثرى } التراب الندي، فله تعالى { ما تحت الثرى } الى حيث انتهى، لانه مالكه وخالقه ومدبره، وكل شيء ملكه يصح، والله تعالى مالكه بمعنى أن له التصرف فيه كيف شاء.
وقوله { وإن تجهر بالقول فانه يعلم السر وأخفى } معناه وإن تجهر بالقول لحاجتك لسمعه أي تجهر به، فانه تعالى يعلم السر وأخفى من السر. ولم يقل وأخفى منه، لانه دال عليه، كما يقول القائل: فلان كالفيل أو اعظم، وهذا كالحبة أو اصغر. والجهر رفع الصوت يقال: جهر يجهر جهراً، فهو جاهر والصوت مجهور، وضده الهمس. و (السر) ما حدث به الانسان غيره فى خفية، وأخفى منه ما أضمره في نفسه ولم يحدث به غيره - هذا قول ابن عباس - وقال قتادة وابن زيد وسعيد بن جبير: السر ما أضمره العبد في نفسه. وأخفى منه ما لم يكن ولا أضمره أحد. وقال قوم: معناه يعلم السر والخفي. وضعف هذا لانه ترك الظاهر وعدول بلفظة (أفعل) الى غير معناها من غير ضرورة، ولان حمله على معنى أخفى أبلغ إذا كان بمعنى أخفى من السر، فاما قول الشاعر:

تمنى رجال ان اموات وإن امت فتلك سبيل لست فيها بأوحد

انما حمل على ان المراد { بأوحد } احد، لان الوحدة لا يقع فيها تعاظم، فاخرجه الشاعر مخرج ما فيه تعاظم ورد المعنى الى الواحد. ثم اخبر تعالى بانه { الله } الذي تحق له العبادة { لا إله } يحق له العبادة { إلا هو له الأسماء الحسنى } وانما ذكر الحسنى بلفظ التوحيد ولم يقل الاحاسن، لان الاسماء مؤنثة يقع عليها (هذه) كما يقع على الجماعة (هذه) كأنه اسم واحد للجميع قال الشاعر:

وسوف يعتبنيه إن ظفرت به رب كريم وبيض ذات اطهار

وفي التنزيل { { حدائق ذات بهجة } } { { ومآرب أخرى } فقد جاز صفة جمع المؤنث بصفة الواحد.
وقوله وهل { أتاك حديث موسى } خطاب للنبي (صلى الله عليه وسلم) وتسلية له مما ناله من اذى قومه. والتثبيت له بالصبر على امر ربه، كما صبر اخوه موسى (ع) حتى نال الفوز في الدنيا والآخرة.
وقوله { إذ رأى ناراً } اي حديث موسى حين رأى ناراً { فقال لأهله امكثوا } اي البثوا مكانكم { إني آنست ناراً } اي رأيت ناراً. والايناس وجدان الشيء الذي يؤنس به، لانه من الانس ويقال: آنس البازي إذا راى صيداً قال العجاج:

آنس خربان فضاء فانكدر

وكان في شتاء، وقد امتنع عليه القدح وضل عن الطريق، فلذلك قال { أو أجد على النار هدى } وقوله { لعلي آتيكم منها بقبس } فالقبس الشعلة، وهو نار في طرف عود أو قصبة، يقول القائل لصاحبه: اقبسني ناراً فيعطيه إياها في طرف عود او قصبة أي لعلي آتيكم بنار تصطلون به أو اجد من يدلني على الطريق الذي أضللناه او ما استدل به عليه ويقال اقبسته ناراً إذا اعطيته قبساً منها، وقبسته للعلم، فرق بين النوعين، والاصل واحد وكلاهما يستضاء به.