التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ
٩١
قَالَ يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ
٩٢
أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي
٩٣
قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي
٩٤
قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ
٩٥
-طه

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ { يا ابن أم } - بفتح الميم - ابن كثير وابو عمرو، وعاصم في رواية حفص. الباقون - بكسر الميم - من فتح الميم جعل { ابن أم } اسماً واحداً وبناهما على الفتح مثل (خمسة عشر) إلا ان (خمسة عشر) تضمن معنى الواو، وتقديره خمسة وعشرة، و { ابن أم } بمعنى اللام وتقديره: لأمي، وكلاهما على تقدير الاتصال بالحرف على جهة الحذف، ويجوز { يا ابن أم } على الاضافة، ولم يجئ هذا البناء إلا في يا أبن ام، ويا ابن عم، لأنه كثر حتى صار يقال للأجنبي، فلما عدل بمعناه عدل بلفظه، قال الشاعر:

رجال ونسوان يودون أنني وإياك نخزى يا ابن عم ونفضح

ويحتمل ان يكون (اراد يابن أماه) فرخم. ويحتمل ان يكون أراد (يابن اما) [فخفف، ومن كسر اراد ياين امي] لأن العرب تقول: يا ابن اما بمعنى يا ابن امي ويا ربا بمعنى يا ربي. فمن كسر اراد: يا ابن امي، فحذف الياء وابقى الكسرة تدل عليها.
حكى الله تعالى ما اجاب به قوم موسى لهارون حين نهاهم عن عبادة العجل وأمرهم باتباعه، فانهم { قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى } أي لن نزال لازمين لهذا العجل الى أن يعود الينا موسى، فننظر ما يقول قال الشاعر:

فما برحت خيل تثوب وتدعي ويلحق منها لاحق وتقطع

والعكوف لزوم الشيء مع القصد اليه على مرور الوقت، ومنه الاعتكاف في المسجد. ثم اخبر تعالى أن موسى لما رجع الى قومه، قال لهارون { يا هارون ما منعك ألا تتبعني } قال ابن عباس: معناه بمن أقام على إيمانه. وقال إبن جريج: معناه ألا تتبعني في شدة الزجر لهم عن الكفر. ومعنى { ألا تتبعني } ما منعك أن تتبعني و (لا) زائدة، كما { { قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك } وقد بينا القول فى ذلك. وإنما جاز ذلك لأنه المفهوم أن المراد ما منعك بدعائه لك الى أن لا تتبعني فدخلت (لا) لتنبئ عن هذا المعنى، وهو منع الداعي دون منع الحائل.
وقوله { أفعصيت أمري } صورته صورة الاستفهام، والمراد به التقرير، لأن موسى كان يعلم أن هارون لا يعصيه فى أمره، فقال له هارون فى الجواب { لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي } حين اخذ موسى بلحيته ورأسه. وقيل في وجه ذلك قولان:
احدهما - ان عادة ذلك الوقت أن الواحد إذا خاطب غيره قبض على لحيته، كما يقبض على يده فى عادتنا، والعادات تختلف ولم يكن ذلك على وجه الاستخفاف.
والثاني - انه أجراه مجرى نفسه إذا غضب، فى القبض على لحيته، لأنه لم يكن يتهم عليه، كما لا يتهم على نفسه.
وقوله { إني خشيت أن تقول فرّقت بين بني إسرائيل } معناه إني خفت أني إن فعلت ذلك على وجه العنف والاكراه أن يتفرقوا وتختلف كلمتهم ويصيروا أحزاباً، حزباً يلحقون بموسى وحزباً يقيمون مع السامري على اتباعه، وحزباً يقيمون على الشك فى أمره. ثم لا يؤمن إذا تركتهم كذلك أن يصيروا بالخلاف الى سفك الدماء، وشدة التصميم على أمر السامري، فاعتذر بما مثله يقبل، لأنه وجه من وجوه الرأي.
قوله { ولم ترقب قولي } أي لم تحفظ قولي - في قول ابن عباس - فعدل عن ذلك موسى الى خطاب السامري، فقال له { ما خطبك يا سامري } أي ما شأنك وما دعاك الى ما صنعت؟! وأصل الخطب: الجليل من الأمر، فكأنه قيل: ما هذا العظيم الذي دعاك الى ما صنعت.