التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ
٦١
قَالُوۤاْ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يٰإِبْرَاهِيمُ
٦٢
قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ
٦٣
فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوۤاْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ
٦٤
ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ
٦٥
-الأنبياء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

لما قال بعضهم انه سمع ابراهيم يعيب آلهتهم وحكاه لقومه قالو: جيئوا { به على أعين الناس لعلهم يشهدون } وقيل في معناه قولان:
احدهما - قال الحسن وقتادة والسدي: كرهوا أن يأخذوه بغير بينة، فقالوا جيئوا به بحيث يراه الناس، ويكون بمرءاً منهم { لعلهم يشهدون } بما قاله إني أكيد اصنامهم شهادة تكون حجة عليه.
الثاني - قال ابن اسحاق { لعلهم يشهدون } عقابه. وقيل { لعلهم يشهدون } حجته وما يقال له من الجواب، فلما جاؤا به قالوا له { أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم } مقررين له على ذلك، فأجابهم إبراهيم بأن قال { بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون } وإنما جاز أن يقول { بل فعله كبيرهم هذا } وما فعل شيئاً لأحد امرين:
احدهما - انه قيده بقوله { إن كان ينطقون } فقد فعله كبيرهم. وقوله { فاسألوهم } اعتراض بين الكلامين، كما يقول القائل: عليه الدارهم فاسأله إن أقر.
والثاني - انه خرج الخبر وليس بخبر، وانما هو إلزام دل على تلك الحال، كأنه قال بل ما تنكرون فعله كبيرهم هذا. فالالزام تارة يأتى بلفظ السؤال وتارة بلفظ الامر، كقوله { فأتوا بسورة مثله } وتارة بلفظ الخبر. والمعنى فيه أنه من اعتقد كذا لزمه كذا وقد قرئ في الشواذ { فعله كبيرهم } - بتشديد اللام - بمعنى فلعل كبيرهم، فعلى هذا لا يكون خبراً، فلا يلزم ان يكون كذباً، والكذب قبيح لكونه كذباً، فلا يحسن على وجه، سواء كان فيه نفع او دفع ضرر، وعلى كل حال، فلا يجوز على الأنبياء القبائح، ولا يجوز ايضاً عليهم التعمية فى الاخبار، ولا التقية في اخبارهم، لأنه يؤدي الى التشكيك في اخبارهم، فلا يجوز ذلك عليهم على وجه. فأما ما روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) بأن قال
"لم يكذب ابراهيم إلا ثلاث كذبات كلها فى الله" فانه خبر لا أصل له، ولو حسن الكذب على وجه، كما يتوهم بعض الجهال، لجاز من القديم تعالى ذلك. وزعموا ان الثلاث كذبات هي قوله { فعله كبيرهم هذا } وما كان فعله. وقوله { { إني سقيم } ولم يكن كذلك. وقوله فى سارة لما اراد الجبار أخذها: إنها اختي، وكانت زوجته. حتى قال بعضهم: كان الله أذن له فى ذلك. وهذا باطل، لأنه لو اذن الله له فيه، لكان الكذب حسناً. وقد بينا أنه قبيح على كل حال. وقيل: معنى قوله { إني سقيم } اي سأسقم، لأنه لما نظر الى بعض الكواكب علم انه وقت نوبة حمى كانت تجيئه، فقال: إني سقيم. وقيل معناه: اني سقيم، اي غماً بضلالكم. وقيل: معناه سقيم عندكم، فيما أدعوكم اليه من الدين. وقيل: ان من كانت عاقبته الموت جاز ان يقال فيه سقيم، مثل المريض المشفى على الموت. وأما قوله فى سارة إنها أختي فانه أراد فى الدين. واما قول يوسف لأخوته { { إنكم لسارقون } فقد قال قوم: هو من قول مؤذن يوسف على ظنه فيما يقتضيه الحال من الظن الذي يعمل عليه. وقيل معناه: { إنكم لسارقون } يوسف (ع)
وقوله تعالى { فرجعوا إلى أنفسهم } اي عادوا الى نفوسهم يعني بعضهم الى بعض وقال بعضهم لبعض: { إنكم أنتم الظالمون } في سؤاله، لانها لو كانت آلهة لم يصل ابراهيم الى كسرها.
وقوله { ثم نكسوا على رؤسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون } فالنكس هو جعل الشيء أسفله أعلاه، ومنه النكس في العلة إذا رجع الى اول حاله. والمعنى ادركتهم حيرة سوء، فنكسوا لأجلها رؤسهم. ثم أقروا بما هو حجة عليهم، فقالوا لابراهيم { لقد علمت ما هؤلاء ينطقون } فأقروا بهذا للحيرة التى لحقتهم، فكان ذلك دلالة على خطئهم، لكنهم أصروا على العناد.