التبيان الجامع لعلوم القرآن
يقول الله تعالى إنا نجينا ابراهيم ولوطاً من الكفار الذين كانوا يخافوهم، وحملناهما { إلى الأرض التى باركنا فيها للعالمين } قال قتادة: نجيا من ارض كوثاريّا الى الشام. وقال ابو العالية: ليس ماء عذب الا من الصخرة التى فى بيت المقدس. وقال ابن عباس: نجاهما الى مكة، كما قال { { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً } وقيل: الى أرض بيت المقدس. وقال الزجاج: من العراق الى ارض الشام. وقال الجبائي: أراد ارض الشام. وانما قال { للعالمين } لما فيها من كثرة الاشجار والخيرات التي ينتفع جميع الخلق بها اذا حلوا بها. وانما جعلها مباركة، لان اكثر الانبياء بعثوا منها، فلذلك كانت مباركة. وقيل: لما فيها من كثرة الاشجار والثمار، والنجاة هو الدفع عن الهلاك، فدفع الله ابراهيم ولوطاً عن الهلكة الى الارض المباركة. والبركة ثبوت الخير النامي ونقيضها الشؤم وهو إمحاق الخير وذهابه. وقيل فى هذه الآية دلالة على نجاة محمد (صلى الله عليه وسلم) كما نجا ابراهيم من عبدة الاصنام، الى الارض التى اختارها له.
ثم قال { ووهبنا له } يعني ابراهيم اي أعطيناه اجتلاباً لمحبته، فالله تعالى يحب انبياءه ويحبونه، ويحب إن يزدادوا في محبته بما يهب لهم من نعمه { إسحاق ويعقوب } اي أعطيناه اسحاق ومعه يعقوب { نافلة } اي زيادة على ما دعا الله اليه. وقوله { نافلة } اي فضلا - فى قول ابن عباس وقتادة وابن زيد - لأنه كان سأل الله ان يرزقه ولداً من سارة، فوهب له اسحاق، وزاده يعقوب ولد ولده. وقيل جميعاً نافلة، لانهما عطية زائدة على ما تقدم من النعمة - في قول مجاهد وعطاء - والنفل النفع الذي يوجب الحمد به لانه مما زاد على حد الواجب، ومنه صلاة النافلة اي فضلا على الفرائض. وقيل: نافلة اي غنيمة قال الشاعر:
لله نافلة الأعز الأفضل
وقوله { وكلا جعلنا صالحين } يحتمل امرين:
احدهما - انه جعلهم بالتسمية على وجه المدح بالصلاح أي سميناهم صالحين.
والثاني - انا فعلنا بهم من اللطف الذي صلحوا به. ثم وصفهم بأن قال { وجعلناهم أئمة } يقتدى بهم فى افعالهم { يهدون } الخلق الى طريق الحق { بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات } اي أوحينا اليهم بأن يفعلوا الخيرات { وإقام الصلاة } اي وبأن يقيموا الصلاة بحدودها وانما قال { وإقام الصلاة } بلا (هاء) لان الاضافة عوض الهاء { وإيتاء الزكاة } أي بأن يؤتوا الزكاة، التي فرضها الله عليهم.
ثم اخبر: أنهم كانوا عابدين لله وحده لا شريك له، لا يشركون بعبادته سواه.
وقوله { ولوطاً آتيناه حكما وعلماً } نصب { لوطاً } بـ { آتينا } وتقديره: وآتينا لوطاً آتيناه، كقوله { { والقمر قدرناه منازل } }. ويجوز ان يكون نصباً بتقدير اذكر { لوطاً } إذ { آتيناه حكماً } اي اعطيناه الفصل بين الخصوم بالحق أي جعلناه حاكماً، وعلمناه ما يحتاج الى العلم به.
وقوله { ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث } يعني انهم كانوا يأتون الذكران، فى أدبارهم ويتضارطون فى انديتهم، وهي قرية (سدوم) على ما روي.
ثم اخبر { أنهم كانوا قوم سوء فاسقين } اي خارجين عن طاعة الله الى معاصيه. ثم عاد الى ذكر لوط فقال { وأدخلناه في رحمتنا } أي نعمتنا { إنه من الصالحين } الذين أصلحوا أفعالهم. فعملوا بما هو حسن منها، دون ما هو قبيح.