التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ
٢٣
وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ
٢٤
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ
٢٥
-الحج

التبيان الجامع لعلوم القرآن

ثلاث آيات قرأ نافع وأبو بكر { ولؤلؤاً } بالنصب. الباقون بالجر.
لما حكى الله تعالى أمر الخصمين اللذين يختصمان، من الكفار، والمؤمنين. ثم بين ما للكفار من عذاب النار، وإصهار ما في بطونهم، والمقامع من الحديد، وغير ذلك، بين ما للمؤمنين، وهم الفريق الآخر فى هذه الآية، فقال: { إن الله يدخل الذين آمنوا } بالله وأقروا بواحدانيته، وصدقوا رسله { وعملوا } الاعمال { الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها } أي يلبسون الحلي { من أساور من ذهب } والأساور جمع أسوار، وفيه ثلاث لغات اسوار - بالالف - وسوار وسورا. فمن جعله أسوار، جمعه على أساورة. ومن جعله سوراً، وسوراً، جمعه أسورة. وفى قراءة عبد الله "أساوير" واحدها إسوار أيضاً، وسوار وأساور، مثل كراع وأكارع، وجمع الاسورة سوراً { ولؤلؤاً } فمن جره عطفه على { من ذهب } وتقديره: يحلون أساور من ذهب ولؤلئ، ومن نصبه عطفه على الموضع، لأن { من } وما بعدها في موضع نصب، فعطف { ولؤلؤاً } على الموضع، وتقديره: ويحلون لؤلواً. وقد روي عن عاصم همز الاولى وتليين الثانية. وروي ضده، وهو تليين الأولى وهمز الثانية. الباقون يهمزونهما. وكل ذلك جائز فى العربية. واللؤلؤ الكبار، والمرجان الصغار. ويجوز أن يكون اللؤلؤ مرصعاً في الذهب، فلذلك قال: يحلون لؤلؤاً وقوى القراءة بالنصب أنه فى المصاحف مكتوباً بالالف، قال ابو عمرو: كتب كذلك، كما كتبوا كفروا بالألف.
ثم اخبر ان لباسهم فى الجنة حرير، فحرم الله على الرجال لبس الحرير في الدنيا وشوقهم اليه فى الآخرة. ثم قال { وهدوا } يعني أهل الجنة الى الصواب من القول. قال الجبائي: هدوا الى البشارات من عند الله بالنعيم الدائم. وقيل: معناه الى القرآن. وقيل: الى الايمان. وقال الكلبى الى قول: لا إله إلا الله. وقال قوم: هو القول الذي لا فحش فيه، ولا صخب { وهدوا إلى صراط الحميد } قيل: الى الاسلام وقيل: الى الجنة. فالحميد هو الله المستحق الحمد. وقيل: المستحمد الى عباده بنعمه - في قول الحسن - أي الطالب منهم أن يحمدوه. وروي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال
" ما احد أحب اليه الحمد من الله - عز وجل -" .
ثم قال تعالى { إن الذين كفروا } بوحدانيته واختصاصه بالعبادة. { ويصدون } أي ويمنعون غيرهم { عن } اتباع { سبيل الله } بالقهر والاغواء { والمسجد الحرام } أي ويمنعونهم عن المسجد الحرام أن يجيئوا اليه حجاجاً وعماراً { الذي } جعله الله تعالى { للناس } كافة قبلة لصلاتهم ومنسكاً لحجهم، والمراد بالمسجد الحرام المسجد بقبة. وقيل الحرم كله { سواء العاكف فيه والباد } قال ابن عباس وقتادة: العاكف المقيم فيه، والباد الطارئ. ونصب { سواء } حفص عن عاصم على انه مفعول ثان من قوله { جعلناه للناس سواء } أي مساوياً، كما قال { { إنا جعلناه قرآناً عربياً } ويرتفع (العاكف) في هذه القرءاة بفعله أي يستوي العاكف والبادي. ومن رفع { سواء } جعله ابتداءاً وخبراً، كما تقول: مررت برجل سواء عنده الخير والشر، وتقديره العاكف والبادي سواء فيه بالنزول فيه. وقال مجاهد: معناه إنهم سواء في حرمته وحق الله عليهما فيه. واستدل بذلك قوم على أن أجرة المنازل فى أيام الموسم محرمة، وقال غيرهم: هذا ليس بصحيح، لان المراد به سواء العاكف فيه والباد، فى ما يلزمه من فرائض الله تعالى فيه، فليس لهم أن يمنعوه من الدور، والمنازل، فهي لملاكها. وهو قول الحسن. وانما عطف بالمستقبل على الماضي من قوله { كفروا، ويصدون } لان المعنى ومن شأنهم الصد، ونظيره { { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله } ويجوز فى { سواء } الرفع والنصب والجر، فالنصب على أن يكون المفعول الثاني لـ { جعلناه } على ما بيناه، والرفع على تقدير: هم سواء فيه. والجر على البدل من قوله { للناس سواء }.
وقوله { ومن يرد فيه بالحاد بظلم } معناه من أرادته فيه بالحاد كما قال الشاعر:

اريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلى بكل سبيل

ذكره الزجاج. والباء في قوله { بإلحاد } مؤكدة. والباء فى قوله { بظلم } للتعدية، ومثله قول الشاعر:

بواد يمان ينبت الشث صدره واسفله بالمرخ والشبهان

والمعنى ينبت المرخ. ومثله قوله { { تنبت بالدهن } }. أي تنبت الدهن. وقال الاعشى:

ضمنت برزق عيالنا أرماحنا نيل المراجل والصريح الأجردا

وقال امرؤ القيس:

ألا هل أتاها والحوادث جمة بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا

وقال الآخر:

فلما جزت بالشرب هزّ لها العصا شجيح له عند الازاء نهيم

وقال الآخر:

ألم يأتيك والابناء تنمى بما لاقت لبون بني زياد

ويجوز ان يكون المعنى، ومن يرد فيه منعاً { بإلحاد } أي يميل بظلم، فتكون حينئذ معدّية للارادة، وذلك انه يمكن أن يريد منعاً لا بالحاد، كما يمكن أن يميل لا بظلم، وكما يمكن أن يمرّ لا بشيء. وقال ابن عباس: المعنى فيه من يرد استحلال ما حرم الله. و (الالحاد) هو الميل عن الحق.
وقوله { نذقه من عذاب أليم } يعني مؤلم. وحكى الفراء: انه قرئ { ومن يرد } بفتح الياء - من الورود، ومعناه من ورده ظلماً على غير ما أمر الله به، إلا انه شاذ. وقال مجاهد: معناه من ظلم فيه وعمل شيناً واشرك بالله غيره. وقال ابن مسعود: من استحل ما حرمه الله. وقال ابن عباس: هو استحلال الحرم متعمداً. وقال حسان بن ثابت: هو احتكار الطعام بمكة.
وقيل نزلت فى ابي سفيان وأصحابه، حين صدوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن عمرة الحديبية.