التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ
٥١
وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٥٢
لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
٥٣
وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٥٤
وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ
٥٥
-الحج

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن كثير وابو عمرو { معجزين } بالتشديد، بمعنى مثبطين ومبطئن، وهو قول مجاهد. الباقون { معاجزين } بالألف. قال قتادة: معناه مشاقين معاندين.
يقول الله تعالى ان { الذين سعوا في آيات الله معجزين } ومعناه إن الذين يعجزون المؤمنين في قبول هذه الآيات اي يعجزونهم عن اقامتها بجحدهم تدبير الله (عز وجل) لها. ويحتمل ان يكون معناه يعجزونهم عن تصحيحها. والسعي الاسراع فى المشي، ومن قوله
{ { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } وسعى يسعى سعياً، فهو ساع، وجمعه سعاة، واستسعاه فى الامر استسعاء. وقال قتادد: ظنوا انهم يعجزون الله أي يفوتونه وأن يعجزوه. وقال مجاهد: معناه مبطئين عن اتباع آيات الله. ومن قرأ { معاجزين } اراد انهم يجادلون عجز الغالب. ومن قرأ { معجزين } بالتشديد اراد طلب اظهار العجز. وقال ابن عباس: معنى { معاجزين } مشاقين. وقيل معنى { معجزين } مسابقين، يقال: اعجزني الشيء بمعني سبقني وفاتني. وقال ابو علي: معاجزين ظانين ومعتقدين انهم يفوتونا، لانكارهم البعث. ومعجزين أي ينسبون من اتبع النبي (صلى الله عليه وسلم) الى العجز. وقال مجاهد: معناه مثبطين للناس عن النبي (صلى الله عليه وسلم) واتباعه.
وقوله { أولئك أصحاب الجحيم } معناه الذين يسعون فى آيات الله طالبين إظهار عجزه إن لهم عذاب الجحيم، وهم ملازمون لها.
وقوله { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك ومحمد بن كعب ومحمد ابن قيس: انهم قالوا: كان سبب نزول الآية انه لما تلى النبي (صلى الله عليه وسلم)
{ { أفرأيتم اللات والعزى ومنوة الثالثة الأخرى } القى الشيطان فى تلاوته (تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى) ومعنى الآية التسلية للنبي (صلى الله عليه وسلم) وانه لم يبعث الله نبياً، ولا رسولا إلا اذا تمنى - يعني تلا - القى الشيطان في تلاوته بما يحاول تعطيله، فيرفع الله ما القاه بمحكم آياته. وقال المؤرج: الامنية الفكرة، بلغة قريش. وقال مجاهد: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا تأخر عنه الوحي تمنى أن ينزل عليه فيلقي الشيطان فى أمنيته، فينسخ الله ما يلقي الشيطان ويحكم آياته. وقال ابو علي الجبائي: انما كان يغلط فى القراءة سهواً فيها، وذلك جائز على النبي، لانه سهو لا يعرى منه بشر، ولا يلبث ان ينبهه الله تعالى عليه. وقال غيره: إنما قال ذلك فى تلاوته بعض المنافقين عن اغواء الشياطين، وأوهم أنه من القرآن. وقال الحسن: انما قال: هي عند الله كالغرانيق العلى، يعني الملائكة فى قولكم، وإن شفاعتهن لترتجى فى اعتقادكم. والتمني فى الآية معناه التلاوة، قال الشاعر:

تمنى كتاب الله أول ليلة وآخره لاقى حمام المقادر

وقال الجبائي: انما سها النبي (صلى الله عليه وسلم) فى القراءة نفسها. فأما الرواية بأنه قرأ تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى، فلا أصل لها، لأن مثله لا يغلط على طريق السهو، وانما يغلط في المتشابه.
وقوله { فينسخ الله ما يلقي الشيطان } أي يزيل الله ما يلقيه الشيطان من الشبهة { ثم يحكم الله آياته } حتى لا يتطرق عليها ما يشعثها. وقال البلخي: ويجوز أن يكون النبي (صلى الله عليه وسلم) سمع هاتين الكلمتين من قومه وحفظهما فلما قرأ النبي (صلى الله عليه وسلم) وسوس بهما اليه الشيطان، وألقاهما فى فكره، فكاد أن يجريهما على لسانه، فعصمه الله، ونبهه، ونسخ وسواس الشيطان، وأحكم آياته، بأن قرأها النبي (صلى الله عليه وسلم) محكمة سليمة مما أراد الشيطان. ويجوز أن يكون النبي (صلى الله عليه وسلم) حين اجتمع اليه القوم، واقترحوا عليه أن يترك ذكر آلهتهم بالسوء، أقبل عليهم يعظهم ويدعوهم الى الله، فلما انتهى رسول الله الى ذكر اللات والعزى. قال الشيطان هاتين الكلمتين رافعاً بها صوته، فألقاهما فى تلاوته في غمار من القوم وكثرة لغطهم، فظن الكفار ان ذلك من قول النبي، فسجدوا عند ذلك.
وقوله { والله عليم حكيم } معناه إنه عالم بجيمع المعلومات، واضع الاشياء مواضعها. والآية تدل على أن كل رسول نبي، لأنه تعالى ذكر أنه أرسلهم، وانما قال من رسول ولا نبي، لاختلاف المعنيين، لأن الرسول يفيد أن الله أرسله، والنبي يفيد أنه عظيم المنزلة يخبر عن الله. وقد قال بعض المفسرين: إن المراد بالتمني في الآية تمني القلب، والمعنى انه ما من نبي ولا رسول إلا وهو يتمنى بقلبه ما يقربه الى الله من طاعاته، وإن الشيطان يلقي في أمنيته بوسوسته واغوائه ما ينافي ذلك، فينسخ الله ذلك عن قلبه بأن يلطف له ما يختار عنده ترك ما اغواه به.
وقوله { ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض } بيان من الله تعالى أنه يجعل ما يلقيه الشيطان من الأمنية فتنة، فمعنى { ليجعل } يحتمل امرين:
احدهما - الحكم والتسمية، كما تقول جعلت حسني قبيحاً، ويكون المراد انه ينسخ ما يلقي الشيطان طلباً للفتنة والاغواء.
والثاني - انه أراد ليجعل نسخ ما يلقي الشيطان فتنة، لأن نفس فعل الشيطان لا يجعله الله فتنة، لأن ذلك قبيح، والله تعالى منزه عن القبائح اجمع، فمعنى الفتنة في الآية المحنة، وتغليظ التكليف { للذين في قلوبهم مرض } أي شك ونفاق وقلة معرفة { والقاسية قلوبهم } يعني من قسى قلبه عن اتباع الحق. وقيل: هم الظالمون.
ثم اخبر تعالى { إن الظالمين } لنفوسهم { لفي شقاق بعيد } أي مشاقة بعيدة من الله تعالى، وبين انه يفعل ذلك { ليعلم الذين أوتوا العلم } بالله وصفته وأن أفعاله صواب { أنه الحق من ربك } فيصدقوا به { فتخبت له قلوبهم } أي تطمئن اليه وتسكن. وبين ان الله تعالى يهدي من يؤمن الى صراط مستقيم، بأن يلطف له ما يعلم انه يهتدي عنده { إلى صراط مستقيم }.
ثم قال { ولا يزال الذين كفروا في مرية منه } يعني من القرآن. ومعناه الاخبار عمن علم الله تعالى من الكفار انهم لا يؤمنون بالآية خاصة. وهو قول ابن جريج إلا أن { تأتيهم الساعة } يعني القيامة { بغتة } أي فجأة، وعلى غفلة { أو يأتيهم عذاب يوم عقيم } قال الضحاك: هو عذاب يوم القيامة. وقال مجاهد وقتادة: هو عذاب يوم بدر. وقيل معنى { عقيم } أي لا مثل له في عظم امره لقتال الملائكة قال الشاعر:

عقم النساء بأن يلدن شبيهه إن النساء بمثله لعقيم