التفاسير

< >
عرض

بَلْ قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالَ ٱلأَوَّلُونَ
٨١
قَالُوۤاْ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ
٨٢
لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا هَـٰذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
٨٣
قُل لِّمَنِ ٱلأَرْضُ وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
٨٤
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ
٨٥
قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلسَّبْعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ
٨٦
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ
٨٧
قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
٨٨
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ
٨٩
بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
٩٠
-المؤمنون

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابو عمرو "سيقولون الله" فى الأخيرتين. الباقون "لله" بغير الف، ولا خلاف في الاولى أنها بغير الف.
اخبر الله تعالى حاكياً عن الكفار ممن عاصر النبي (صلى الله عليه وسلم) أنهم لم يؤمنوا بالله ولم يصدقوا رسوله في اخلاص العبادة له تعالى { بل قالوا مثل ما قال الأولون } أي مثل الذي قاله الكفار الأولون: من انكار البعث والنشور والحساب والجنة والنار، فأقوال هؤلاء مثل أقوال أولئك. وانما دخلت عليهم الشبهة فى انكار البعث، لأنهم لم يشاهدوا ميتاً عاش، ولا جرت به العادة، وشاهدوا النشأة الاولى من ميلاد من لم يكن موجوداً. ولو فكروا فى أن النشأة الأولى أعظم منه لعلموا أن من انكره فقد جهل جهلا عظيماً، وذهب عن الصواب ذهاباً بعيداً، لان من قدر على اختراع الاجسام لا من شيء، قدر على إعادتها إلى الصفة التي كانت عليها، مع وجودها.
ثم حكى ما قال كل منهم، فانهم قالوا منكرين { أإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون } أي كيف نصير أحياء بعد ان صرنا تراباً ورمماً وعظاماً نخرة؟! ثم قالوا { لقد وعدنا } بهذا الوعد { نحن وآباؤنا } من قبل هذا الموعد، فلم نر لذلك صحة، ولا لهذا الوعد صدقاً، وليس { هذا إلا أساطير الأولين } أي ما سطره الأولون مما لا حقيقة له، وانما يجري مجرى حديث السمر الذي يكتب للاطراف به. والأساطير هي الأحاديث المسطرة فى الكتب، واحدها أسطورة.
فقال الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وسلم) { قل } يا محمد لهؤلاء المنكرين للبعث والنشور { لمن الأرض ومن فيها } أي من يملك الارض ويملك من فيها من العقلاء [وقوله { إن كنتم تعلمون } موافقة لهم فى دعواهم. ثم قال فى الجواب { سيقولون لله } أي سيقولون إن السموات والارض ومن فيهما لله، لانهم لم يكونوا يجحدون الله. وانما كذبوا الرسول. وقوله { قل أفلا تذكرون } أي افلا تتفكرون فى مالكها. وتتذكرون قدرته وانه لا يعجزه شيء عن إعادتكم بعد الموت، مرة ثانية كما انشأكم أول مرة] ثم قال له { قل } يا محمد لهم ايضاً { من رب السماوات السبع } أي من مالكها والمتصرف فيها؟ ولولاه لبطل كل شيء سواه، لأنه لا يصح إلا مقدوره او مقدور مقدوره، فقوام كل ذلك به، ولا تستغني عنه طرفة عين لانها ترجع الى تدبيره على ما يشاء (عز وجل) وكذلك هو تعالى { رب العرش العظيم } وانما وجب أن يكون رب السماوات والعرش، من حيث كانت هذه الاشياء جميعها محدثة، لا بدّ لها من محدث اخترعها وانشأها، ولا بد لها من مدبر يدبرها ويمسكها، ويصرفها على ما تتصرف عليه، ولا بد أن يختص بصفات: من كونه قادراً عالماً لنفسه ليتأتى منه جميع ذلك، على ما دبره. ولولا كونه على هذه الصفات، لما صح ذلك.
ثم اخبر أنهم يقولون فى الجواب عن ذلك رب السماوات ورب العرش هو { الله } ومن قرأ بلا ألف فمعناه انهم يقولون إنها { لله } فعند ذلك { قل } لهم { أفلا تتقون } الله، ولا تخافون عقابه على جحد توحيده والاشراك فى عبادته؟!
ثم أمره بان يقول لهم أيضاً { من بيده ملكوت كل شيء } والملكوت عظم الملك ووزنه (فعلوت) وهو من صفات المبالغة نحو (جبروت) ومن كلامهم (رهبوت خير من رحموت) أي ترهب خير من ان ترحم. وقال مجاهد: ملكوت كل شيء خزائن كل شيء، والمعنى أنه قادر على كل شيء إذا صح أن يكون مقدوراً له.
وقوله { وهو يجير } معناه أنه يعيذ بالمعنع من السوء، لما يشاء { ولا يجار عليه } أي لا يمكن منع من أراده بسوء منه. وقيل { هو يجير } من العذاب { ولا يجار عليه } منه. والاجارة الاعاذة، والجار المجير المعيذ، وهو الذي يمنعك ويؤمنك ومن استجار بالله اعاذه، ومن أعاذه الله لم يصل اليه احد. فانهم { سيقولون الله } الذي له ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه. فقل لهم عند ذلك { أنى تسحرون } ومعناه كيف يخيل اليكم الحق باطلا، والصحيح فاسداً، مع وضوح الحق وتمييزه عن الباطل. ومن قرأ { الله } باثبات الالف، فلانه يطابق السؤال فى قوله { من رب السماوات السبع ورب الأرض... ومن بيده ملكوت كل شيء } لان جواب ذلك على اللفظ أن يقولوا { الله }. ومن قرأ "لله" باسقاط الالف، حمله على المعنى دون اللفظ، كقول القائل لمملوك: من مولاك؟ فيقول انا لفلان، وانشد الفراء لبعض بني عامر:

واعلم انني سأكون رمساً إذا سار النواعج لا يسير
فقال السائلون لمن حفرتم فقال المخبرون لهم وزير

لانه بمنزلة من قال: من الميت؟ فقالوا له: وزير، وذكر أنها في مصاحف أهل الامصار بغير الف، ومصحف أهل البصرة فانها بالف. فأما الاولى فلا خلاف أنها بلا ألف لمطابقة السؤال في قول { قل لمن الأرض } والجواب يقتضى أن يقولوا: لله. وإنما أخبر الله تعالى عنهم، بأنهم يقولون في جواب السؤال: لله، لأنهم لو أحالوا على غير الله فى انه مالك السموات والارض، وأن غيره بيده ملكوت كل شيء وأن غيره رب السموات السبع، ورب العرش العظيم، لظهر كذبهم. ولعلم كل احد بطلان قولهم، لظهور الأمر في ذلك. وقربه من دلائل العقول.
وقوله { فأنى تسحرون } أي كيف تعمهون عن هذا، وتصدون عنه، من قولهم: سحرت أعيننا عن ذلك، فلم نبصره. وقيل معنى ذلك: فأنى تخدعون، كقول امريء القيس:

ونسحر بالطعام وبالشراب

أي نخدع، وقيل معناه أنى تصرفون، يقال: ما سحرك عن هذا الامر أي ما صرفك عنه. ثم أخبر تعالى أنه أتى هؤلاء الكفار بالحق الواضح: من توحيد الله وصفاته وخلع الانداد دونه وأنه يبعث الخلق بعد موتهم، ويجازيهم على طاعاتهم بالثواب، وعلى معاصيهم بالعقاب، وان الكفار كاذبون فيما يخبرون بخلافه. قال المبرد: معنى { أنى } كيف، ومن أين.