التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِٱللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ
٦
وَٱلْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ
٧
وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا ٱلْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِٱللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلْكَاذِبِينَ
٨
وَٱلْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيْهَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ
٩
وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ
١٠
-النور

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل الكوفة الا أبا بكر { فشهادة أحدهم أربع شهادات } برفع العين. الباقون بفتحها. وقرأ نافع ويعقوب { أن لعنة الله.... وأن غضب الله عليها } بتخفيف النون فيهما، وسكونها، ورفع { لعنة الله } وقرأ نافع { غضب الله } - بكسر الضاد وفتح الباء، ورفع الهاء - من اسم الله. وقرأ يعقوب - بفتح الضاد ورفع الباء وخفض الهاء - من اسم الله. الباقون بفتح الضاد ونصب الباء وخفض الهاء. وقرأ حفص { الخامسة أن غضب الله } بالنصب. الباقون بالرفع.
من رفع قوله { أربع } جعله خبر الابتداء، والابتداء { فشهادة أحدهم } قال أبو حاتم: من رفع فقد لحن، لان الشهادة واحدة، وقد أخبر عنها بجمع، فلا يجوز ذلك، كما لا يجوز (زيد أخوتك) وهذا خطأ، لان الشهادة، وإن كانت بلفظ الوحدة فمعناها الجمع، كقولك صلاتي خمس، وصومي شهر. وقال الزجاج: تقديره { فشهادة أحدهم } التي تدرؤ العذاب { أربع شهادات } ومن قرأ بالنصب جعله مفعولا به أي يشهد أربع شهادات. وقال ابو علي الفارسي: ينبغي أن يكون قوله { فشهادة أحدهم } مبنياً على ما يكون مبتدأ، وتقديره: فالحكم أو فالفرض ان يشهد أحدهم أربع شهادات، أو فعليهم أن يشهدوا، ويكون قوله { إنه لمن الكاذبين } على هذا من صلة { شهادة أحدهم }، وتكون الجملة التي هي قوله { إنه لمن الصادقين } في موضع نصب، لان الشهادة كالعلم، والجملة في موضع نصب، بأنه مفعول به { وأربع شهادات } تنتصب انتصاب المصادر. ومن رفع { أربع شهادات } لم يكن قوله { إنه لمن الصادقين } إلا من صلة { شهادات } دون "شهادة" كما أن قوله { بالله } من صلة (شهادات) دون صلة { شهادة } لانك لو جعلته من صلة { شهادة } فصلت بين الصلة والموصول. ومن نصب { أربع شهادات } فقياسه ان ينصب { والخامسة } لانها شهادة، وإذا رفع { أربع شهادات } ونصب { الخامسة } قدر له فعلا ينصبها به، وتقديره ويشهد الخامسة. ومن رفع { أربع شهادات } ورفع { الخامسة } جعلها معطوفة عليه، وإذا نصب الخامسة، لم يجعلها معطوفة عليه وجعلها مفعولا، وقدر فعلا ينصبها به. وقال: ابو علي: قراءة نافع في تخفيف (ان) الوجه فيها أنها المخففة من الثقيلة، ولا تخفف في الكلام أبداً وبعدها اسم إلا ويراد إضمار القصة، ومثله قوله
{ { وآخر دعواهم أن الحمد لله } }. وانما خففت الثقيلة المفتوحة على اضمار القصة والحديث، ولم تكن المكسورة كذلك، لأن الثقيلة المفتوحة موصولة. ويستقبح النحويون قراءة نافع فى قوله { أن غضب الله } لان من شأن المخففة من الثقيلة ألا تلي فعلا إلا وفي الكلام عوض، كقوله { { ألا يرجع } وقوله { { علم أن سيكون } فان (لا) و (السين) عوض من الثقيلة. ووجه قراءة نافع انه قد جاء فى الدعاء ولفظه لفظ الخبر، وقد يجئ فى الشعر وإن لم يفصل بين (ان) وبين ما يدخل عليها من الفعل، فعلى قول نافع { لعنة الله } رفع بالابتداء و { غضب } فعل ماض، واسم الله رفع بفعله.
ومعنى الآية ان من قذف محصنة حرة مسلمة بفاحشة من الزنا، ولم يأت بأربعة شهداء جلد ثمانين. ومن رمى زوجته بالزنا تلاعنا. والملاعنة أن يبدأ الرجل فيحلف اربع مرات بالله الذي لا إله إلا هو انه صادق فيما رماها به، ويحتاج ان يقول أشهد بالله أني صادق، لان شهادته أربع مرات تقوم مقام أربعة شهود في دفع الحد عنه، ثم يشهد الخامسة ان لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به. [واذا جحدت المرأة ذلك شهدت أربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين فيما رماها به و] تشهد الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. ثم يفرق بينهما، ولا يجتمعان أبداً، كما فرق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين هلال بن أمية وزوجته. وقضى أن الولد لها، ولا يدعى لأب، ولا ترمى هي، ولا يرمى ولدها. وقال ابن عباس: متى لم تحلف رجمت، وإن لم يكن دخل بها جلدت الحد، ولم ترجم إذا لم تلتعن، وعند أصحابنا: انه لا لعان بينهما ما لم يدخل بها، فمتى رماها قبل الدخول وجب عليه حد القاذف، ولا لعان بينهما. وفرقة اللعان تحصل عندنا بتمام اللعان من غير حكم الحاكم، وتمام اللعان إنما يكون اذا تلاعن الرجل والمرأة معاً. وقال قوم: تحصل بلعان الزوج الفرقة. وقال أهل العراق: لا تقع الفرقة إلا بتفريق الحاكم بينهما.
ومتى رجمت عند النكول ورثها الزوج، لأن زناها لا يوجب التفرقة بينهما. ولو جلدت - إذا لم يكن دخل بها - فهما على الزوجية. وذلك يدل على ان الفرقة انما تقع بلعان الرجل والمرأة معاً. قال الحسن: اذا تمت الملاعنة بينهما ولم يكن دخل بها، فلها نصف الصداق، لان الفرقة جاءت من قبله. واذا تم اللعان اعتدت عدة المطلقة عند جميع الفقهاء، ولا يتزوجها أبداً بلا خلاف.
وآية اللعان نزلت في عاصم بن عدي. وقيل: نزلت في هلال ابن امية - فى قول ابن عباس - ومتى فرق بينهما ثم اكذب نفسه جلد الحد ولا ترجع اليه امرأته. وقال ابو حنيفة ترجع اليه. وإذا أقر بالولد بعد اللعان ألحق به يرثه الابن ولا يرثه الأب. وقال الشافعي: يتوارثان. و (الدرؤ) الدفع و { العذاب } الذي يدرؤ عنهما بشهادتهما (الحد)، لأنه بمنزلة من يشهد عليها أربعة شهود بالزنا. وقال قوم: هو الحبس لانه لم تتم البينة بأربعة شهود، وانما إلتعان الرجل درأ عنه الحد فى رميه.
قال الجبائي: فى الآية دلالة على ان الزنا ليس بكفر، لانه ليس لصاحبه حكم المرتد. وفيها دلالة على انه يستحق اللعن من الله بالزنا.
وقوله { ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب رحيم } نصب قوله { وأن الله } لانه عطف على موضع (أن) الاولى. وجواب (لولا) محذوف، وتقديره: لولا فضل الله عليكم ورحمته لفضحكم بما ترتكبون من الفاحشة، ولعاجلكم بالعقوبة او لهلكتم وما يجري مجراه. ومثله قولهم: لو رايت فلاناً وفى يده السيف اي لرأيت شجاعاً ولرأيت هائلا، قال جرير:

كذب العواذل لو رايت مناخنا بحزيز رامة والمطي سوام

وفى المثل (لو ذات سوار لطمتني)