التفاسير

< >
عرض

بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً
١١
إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً
١٢
وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً
١٣
لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً
١٤
قُلْ أَذٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ ٱلْخُلْدِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً وَمَصِيراً
١٥
لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً
١٦
-الفرقان

التبيان الجامع لعلوم القرآن

يقول الله تعالى مخبراً عن حال هؤلاء الكفار الذين وصفهم وذكرهم بأنهم كفروا بالله وجحدوا البعث والنشور، أنهم لم يكفروا لأنك تأكل الطعام وتمشي في الاسواق، بل لانهم لم يقروا بالبعث والنشور، والثواب والعقاب، وهو معنى قوله { بل كذبوا بالساعة } يعني بالقيامة، وما فيها من الثواب والعقاب.
ثم اخبر تعالى انه اعد { لمن كذب بالساعة سعيراً } و { أعتدنا } أصله أعددنا فقلبت احدى الدالين تاء، لقرب مخرجهما. و { السعير } النار الملتهبة، يقال: اسعرتها اسعاراً، واستعرت استعاراً، وتسعرت تسعراً، وسعرها الله تسعيراً. والاسعار تهيج النار بشدة الايقاد.
ثم وصف تلك النار المستعرة، فقال { إذا رأتهم من مكان بعيد } ونسب الرؤية الى النار - وانما هم يرونها - لان ذلك أبلغ، كأنها تراهم رؤية الغضبان الذي يزفر غيظاً، فهم يرونها على تلك الصفة، ويسمعون منها تلك الحال الهائلة. و (التغيظ) انتفاض الطبع لشدة نفور النفس، والمعنى صوت التغيظ من التلهب والتوقد. وقال الجبائي: معناه { إذا رأتهم } الملائكة الموكلون بالنار { سمعوا لها } للملائكة { تغيظاً وزفيراً } للحرص على عذابهم. وهذا عدول عن ظاهر الكلام مع حسن ظاهره وبلاغته من غير حاجة داعية ولا دلالة صارفة. وانما شبهت النار بمن له تلك الحال، وذلك في نهاية البلاغة.
وقوله { وإذا القوا } يعني الكفار { منها } يعني من النار { مكاناً ضيقاً } أي فى مكان ضيق { مقرنين } قيل: معناه مغللين، قد قرنت أعناقهم الى ايديهم فى الاغلال، كما قال
{ { مقرنين في الأصفاد } وقيل: مقرنين مع الشياطين في السلاسل والاغلال. وقيل يقرن الانسان والشيطان الذي كان يدعوه الى الضلال { دعوا هنالك } يعني في ذلك الموضع، يدعون { ثبوراً } قال ابن عباس: الثبور الويل، وقال الضحاك: هو الهلاك. وقيل: أصله الهلاك من قولهم ثبر الرجل إذا هلك، قال ابن الزبعري.

إذا جاري الشيطان في سنن الـ ـغي فمن مال ميله مثبور

ويقال: ما ثبرك عن هذا الأمر أي ما صرفك عنه صرف المهلك عنه، فيقولوا: واإنصرفاه عن طاعة الله. وقيل: واهلاكاه. فقال الله تعالى انه يقال لهم عند ذلك { لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً } أي لا تدعوا ويلا واحداً، بل أدعوا ويلا كثيراً. والمعنى إن ذلك لا ينفعكم سواء دعوتم بالويل قليلا أو كثيراً.
ثم قال تعالى لنبيه (صلى الله عليه وسلم) { قل } لهم يا محمد { أذلك خير } يعني ما ذكره من السعير وأوصافه خير { أم جنة الخلد } وانما قال ذلك على وجه التنبيه لهم على تفاوت مابين الحالين. وانما قال { أذلك خير أم جنة الخلد } وليس في النار خير، لأن المراد بذلك أي المنزلين خير؟! تبكتاً لهم وتقريعاً. وقوله { التي وعد المتقون } أي وعد الله بهذه الجنة من يتقي معاصيه ويخاف عقابه { كانت لهم جزاء ومصيراً } يعني الجنة مكافأة وثواباً على طاعانهم، ومرجعهم اليها ومستقرهم فيها، و { لهم فيها ما يشاؤن } ويشتهون من اللذات والمنافع { خالدين } أي مؤبدين لا يفنون فيها { كان على ربك وعداً مسؤلاً } وقيل فى معناه قولان:
احدهما - ان المؤمنين يسألون الله عز وجل الرحمة فى قولهم
{ { ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا } وقولهم: { { وآتنا ما وعدتنا على رسلك } }. والثاني - انه بمنزلة قولك: لك ما تمنيت مني أي متى تمنيت شيئاً فهو لك، فكذلك متى سألوا شيئاً، فهو لهم بوعد الله (عز وجل) اياهم.
وقرأ ابن كثير { ضيقاً } بتخفيف الياء. الباقون بالتشديد، وهما لغتان بالتشديد والتخفيف، مثل سيد وسيد، وميت وميت. وقيل: ذلك هو الوعد المسؤل فى دار الدنيا.