قرأ حمزة والكسائي "سرجاً" على الجمع. الباقون "سراجاً" على التوحيد. وقرأ حمزة وحده "أن يذكر" خفيفة. الباقون بالتشديد.
من قرأ على التوحيد فلقوله { وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً }. ومن قرأ على الجمع، فلقوله { { زينا السماء الدنيا بمصابيح } تشبيهاً بالكواكب أعني المصابيح كما شبهت المصابيح بالكواكب، في قوله { { الزجاجة كأنها كوكب دري } وقيل: من وحد أراد الشمس وحدها. ومن جمع أراد الكواكب المضيئة كلها. واتفقوا على { وقمراً } إلا الحسن، فانه قرأ - بضم القاف والميم - ويجوز أن يكون فيه لغتان مثل (ولد، وولد) ويجوز أن يكون أراد الجمع غير ان العرب لا تعرف جمع القمر قمراً، وانما يجمعونه أقماراً.
قوله تعالى { تبارك } قيل في معناه قولان:
احدهما - تقدس الله، وجل بما هو ثابت لم يزل ولا يزال، لان أصل الصفة الثبوت.
والثاني - انه من البركة، والتقدير جل تعالى، وتقدس بما به يقدر على جميع البركات { الذي جعل في السماء بروجاً } والبروج منازل النجوم الظاهرة، وهي اثنتا عشرة برجاً معروفة أولها الحمل وآخرها الحوت. وقيل: البروج منازل الشمس والقمر، وقال ابراهيم: البروج القصور العالية، واحدها برج، ومنه قوله { { ولو كنتم في بروج مشيدة } قال الاخطل:
كأنها برج رومي يشيده لزّ بحص وآجرّ واحجار
وقال قتادة: البروج النجوم. وقال أبو صالح: هي كبار النجوم، والبرج تباعد ما بين الحاجبين قال: الزجاج: كل ظاهر مرتفع يقال له: برج، وسميت الكواكب بروجاً لظهورها.
وقوله { وجعل فيها سراجاً } يعني الشمس التي يستضيء بها جميع الخلق.
وقوله { وقمراً منيراً } أي مضيئاً بالليل، اذا لم يكن شمس.
فمن قرأ { سراجاً } أراد الشمس وحدها. ومن قرأ { سرجاً } أراد جميع النجوم، لأنه يهتدى بها، كما يهتدى بضوء السراج.
وقوله { وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة } أى يخلف كل واحد منهما صاحبه، فيما يحتاج أن يعمل فيه، فمن فاته الليل استدركه بالنهار، ومن فاته عمل النهار استدركه بالليل. قال عمر بن الخطاب، وابن عباس، والحسن: يخلف احدهما الآخر فى العمل. وقال مجاهد: معناه أحدهما اسود الآخر ابيض، فهما مختلفتان. وقال ابو زيد: معناه احدهما يذهب ويجيء الآخر قال زهير:
بها العين والأرآم يمشين خلفة واطلاؤها ينهضن من كل مجثم
وقوله { لمن أراد أن يذكر } اى خلقناه كذلك لمن أراد ان يتفكر ويستدل بها على ان لها مدبراً ومصرّفاً، لا يشبهها ولا تشبهه فيوجه العبادة اليه.
وقوله { أو أراد شكوراً } أى يشكر الله، على ما انعم به عليه فيتمكن من ذلك، لان بهذه الأدلة وامثالها يتوصل الى ما قلناه.
وقوله { وعباد الرحمن } يعني عباده المخلصين، الذين يعبدونه، المعظمون ربهم { الذين يمشون على الأرض هوناً } يعني بالسكينة والوقار - فى قول مجاهد - وقال الحسن: معناه حلماً وعلماً، لا يجهلون وإن جهل عليهم. وقال ابن عباس: بالتواضع لا يتكبرون على أحد { وإذا خاطبهم الجاهلون } بما يكرهونه أو يثقل عليهم، قالوا في جوابه { سلاماً } أى سداداً من القول - ذكره مجاهد - وقيل: معناه إنهم قالوا قولا يسلمون به من المعصية لله. وقال قوم: هذا منسوخ بآية القتال. وليس الأمر على ذلك، لان الأمر بالقتال لا ينافي حسن المحاورة في الخطاب وحسن العشرة.
وقوله { والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً } يعني يعبدون الله في لياليهم ويقومون بالصلاة، ويسجدون فيها { والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً } أي يدعون بهذا القول، ومعنى { غراماً } لازماً ملحاً دائماً ومنه الغريم، لملازمته وإلحاحه، وفلان مغرم بالنساء أي ملازم لهن، لا يصبر عنهن قال الشاعر:
إن يعاقب يكن غراماً وإن يعـ ـط جزيلا فانه لا يبالي
وقال بشر بن ابي حازم:
فيوم النسار ويوم الجفا ركانا عذاباً وكانا غراماً
وقال الحسن: ليس غريم إلا مفارق غريمه غير جهنم، فانها لا تفارق غريمها.