اخبر الله تعالى عن عاد - وقيل: هم قبيلة - انهم كذبوا من أرسلهم الله حين قال لهم أخوهم هود. قال الحسن: كان أخاهم من النسب دون الدين { ألا تتقون } الله باجتناب معاصيه إلى قوله { رب العالمين } وقد فسرنا نظائره.
وقوله { تبنون بكل ريع آية } فالبناء وضع ساف على ساف إلى حيث ينتهي. والريع الارتفاع من الارض، وجمعه آرياع وريعة قال ذو الرمة:
طراق الخوافي مشرق فوق ريعة ندى ليلة في ريشه يترقرق
ومنه الريع في الطعام، وهي الزيادة والنماء قال الاعشى:
وبهما قفر تجاوزتها إذا خبّ في ريعها أألها
وفيه لغتان - فتح الراء، وكسرها - بمعنى المكان المرتفع، قال الفراء فيه لغتان (ريع، وراع) مثل زير، وزار قال أبو عبيدة هو الطريق بين الجبلين في ارتفاع. وقيل: هو الفج الواسع، وقال قتادة: معناه بكل آية طريق أي علامة { تعبثون } تلعبون، في قول ابن عباس. وقوله { وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون } قال المؤرج: لعلكم تخلدون: كأنكم تخلدون - بلغة قريش - وقال
الفراء: معناه كيما تخلدون. قال مجاهد: المصانع أراد بها حصوناً مشيدة. وقال قتادة: مآخذ للماء، وهو جمع مصنع، ويقال مصنعة لكل بناء. وقيل: إنهم كانوا يبنون بالمكان المرتفع البناء العالي، ليدلوا بذلك على أنفسهم، وزيادة قوتهم وليفاخروا بذلك غيرهم من الناس، وكانوا جاوزوا في ايجاد المصانع إلى الاسواق فنهوا عن ذلك، وقال الزجاج: المصانع المباني { لعلكم تخلدون } معناه تفعلون ذلك لكي تبقوا فيها مؤبدين { وإذا بطشتم بطشتم جبارين } فالبطش العسف قتلا بالسيف وضرباً بالسوط - في قول ابن عباس - والجبار العالي على غيره بعظم سلطانه، وهو في صفة الله تعالى مدح، وفي صفة غيره ذم، فاذا قيل للعبد جبار فمعناه انه يتكلف الجبرية. والجبار في النحل ما فات اليد، وقال الحسن: بطش الجبرية هو المبارزة من غير ثبت ولا توقف، فذمهم الله بذلك، ونهاهم هود فقال { اتقوا الله } باجتناب معاصيه و "اطيعوني" فيما أدعوكم اليه، ولم يكن هذا القول تكراراً من هود لأنه متعلق بغير ما تعلق به الأول، لان الأول معناه، فاتقوا الله في تكذيب الرسل، واطيعوني فيما أدعوكم اليه من اخلاص عبادته، والثاني فاتقوا الله في ترك معاصيه في بطش الجبارين وعمل اللاهين واطيعوني في ذلك الأمر الذي دعوتكم اليه.