التفاسير

< >
عرض

فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
٢١
وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ
٢٢
قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ
٢٣
قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ
٢٤
قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ
٢٥
-الشعراء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

يقول الله تعالى حاكياً عن موسى أنه قال لفرعون: إني فررت منكم لما خفتكم، فالفرار الذهاب على وجه التحرز من الادراك، ومثله الهرب: فر يفر فراراً، ومنه يفتر أي يضحك، لانه يباعد بين شفتيه مباعدة الفرار.
وقوله { فوهب لي ربي حكماً } فالهبة الصلة بالنائل. وهب له يهب هبة فهو واهب، واستوهبه كذا إذا سأله هبته، وتواهبوا ما بينهم إذا اسقطوها عنهم على جهة الهبة. والحكم العلم بما تدعو اليه الحكمة، وهو الذي وهبه الله تعالى لموسى من التوراة. والعلم بالحلال والحرام وسائر الاحكام. والخبر عما يدعو اليه الحكم ايضاً يسمى حكما. والحكم - ها هنا - أراد به النبوة - في قول جماعة من المفسرين - وقوله { وجعلني من المرسلين } أي جعلني الله نبياً من جملة الانبياء.
وقوله { وتلك نعمة تمنها عليّ أن عبدت بني إسرائيل } قيل في معناه قولان:
احدهما - ان اتخاذاك بني اسرائيل عبيداً قد أحبط ذلك، وإن كانت نعمة عليّ.
الثاني - إنك لما ظلمت بني اسرائيل ولم تظلمني عددتها نعمة عليّ؟!
وقيل قول ثالث - انه لا يوثق بأنها نعمة منك مع ظلمك بني اسرائيل في تعبيدهم، وفى كل ذلك دلالة وحجة عليه، وتقريع له.
ويجوز في { أن } النصب بمعنى لتعبيدك بني اسرائيل، والرفع بالرد على النعمة أي على تعبيدك بني اسرائيل. والتعبيد اتخاذ الانسان أو غيره عبداً تقول عبدته وأعبدته بمعنى واحد، قال الشاعر:

علام يعبد في قومي وقد كثرت فيهم أباعر ما شاءوا وعبدان

وقال الجبائى بين أنه ليس لفرعون عليه نعمة، لان الذي تولى تربيته أمه وغيرها من بني اسرائيل بأمر فرعون لما استعبدهم. وقال الحسن: أراد أخذت أموال بني اسرائيل، واتخذتهم عبيداً فأنفقت عليّ من أموالهم. فاراد أن لا يسوّغه ما امتن به عليه. وقال قوم: أراد أو تلك نعمة؟! مستفهماً واسقط حرف الاستفهام.
وقوله تعالى { قال فرعون وما رب العالمين } حكاية من الله أن فرعون قال لموسى أي شيء رب العالمين الذي تدعوني إلى عبادته، لان هذا القول من فرعون يدل على ان موسى كان دعاه إلى طاعة الله وعبادته. وقيل: ان فرعون عجب من حوله من جواب موسى، لانه طلب منه أي أجناس الاجسام هو؟ جهلا منه بما ينبغي أن يسأل عنه، فقال موسى في جوابه { رب السماوات والأرض وما بينهما } أي رب العالمين هو الذي اخترع السموات والارض وخلقهما، وخلق ما بينهما من الحيوان والجماد والنبات { إن كنتم موقنين } بذلك مصدقين به فقال فرعون - عند ذلك - لمن حوله من أصحابه { ألا تستمعون } أي ألا تصغون اليه، وتفهمون ما يقول معجباً لهم من قوله، حين عجز عن محاورته ومجاوبته.