التفاسير

< >
عرض

إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَآ أَن كُنَّآ أَوَّلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٥١
وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيۤ إِنَّكُم مّتَّبَعُونَ
٥٢
فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ
٥٣
إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ
٥٤
وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ
٥٥
وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ
٥٦
فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
٥٧
وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ
٥٨
كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ
٥٩
فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ
٦٠
-الشعراء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل الكوفة وابن عامر إلا الحلواني { حاذورن } بألف، الباقون بغير ألف. من قرأ بالالف قال: هو مثل شرب، فهو شارب، وحذر فهو حاذر. وقيل: رجل حاذر فيما يستقبل، وليس حاذراً في الوقت، فاذا كان الحذر له لازماً قيل رجل حذر مثل سؤل وسائل، وطمع وطامع، وكان يجوز ضم الذال لانهم يقولون: حذر وحذر - بكسر الذال وضمها - مثل يقظ ويقظ وفطن وفطن.
وقرأ عبد الله بن السائب { حادرون } بالدال - المهملة - بمعنى نحن أقوياء غلاظ الاجسام، يقولون: رجل حادر أى سمين، وعين حدرة بدرة إذا كانت واسعة عظيمة المقلة، قال امرؤ القيس:

وعين لها حدرة بدرة شقت مآقيهما من أخر

وقيل الفرق بين الحاذر والحذر أن الحاذر الفاعل للحذر، أن يناله مكروه والحذر المطبوع على الحذر وقيل: { حاذرون } مؤدون في السلاح أى ذووا أداة من السلاح المستعدون للحروب من عدو، والحذر اجتناب الشيء خوفاً منه، حذر حذراً، فهو حاذر وحذره تحذيراً، وتحذر تحذراً وحاذره محاذرة وحذاراً.
اخبر الله تعالى عن السحرة انهم حين آمنوا وقالوا لفرعون: لا ضرر علينا بما تفعل بنا، لانا منقلبنا إلى الله وثوابه، قالوا { إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا } أى ما فعلنا من السحر وغيره، لأنا كنا اول من صدق بموسى وأقر بنبوته، وبما دعا اليه من توحيد الله ونفي التشبيه عنه ممن كان يعمل بالسحر. وقيل: انهم اول من آمن عند تلك الآية. ومن قال: هم اول من آمن من قومه فقد غلط، لأن بني اسرائيل كانوا آمنوا به. ولو كسرت الهمزة من { إن } على الشرط كان جائزاً. والطمع طلب النفس للخير الذى يقدر فيها انه يكون. ومثله الأمل والرجاء والخطايا جمع خطيئة، وهي الزوال عن الاستقامة المؤدية إلى الثواب.
ثم حكى تعالى انه أوحى إلى موسى، وامره بأن يسري بعباد الله الذين آمنوا به، ويخرجوا من بلد فرعون، وهم بنوا إسرائيل المقرون بنبوته. يقال سرى وأسرى لغتان، فمن قطع الهمزة قال: هو من اسرى يسري، ومن وصلها فمن سرى يسري. واعلمهم أن فرعون وجنوده يتبعونهم، ويخرجون في طلبهم وتبع واتبع لغتان.
ثم حكى ايضاً ان فرعون ارسل برسله في المدائن حاشرين يحشرون الناس اليه الذين هم جنوده، وقيل: انه حشر جنده من المدائن التي حوله ليقبضوا على موسى وقومه، لما ساروا بأمر الله (عز وجل) فلما حضروا عنده، قال لهم { إن هؤلاء } يعني أصحاب موسى { لشرذمة قليلون } والشرذمة العصبة الباقية من عصب كثيرة، وشرذمة كل شيء بقيته القليلة، ومنه قول الراجز:

جاء الشتاء وقميصي اخلاق شراذم يضحك منه التواق

وقال عبد الله بن مسعود: الشرذمة الذين قللهم فرعون من بني اسرائيل كانوا ستمائة ألف وسبعين ألفاً، وانما استقلهم، لأنه كان على مقدمته سبعة آلاف الف على ما قال بعض المفسرين. ثم قال { وإنهم } مع قلتهم { لنا لغائظون } أي يغيظوننا بمخالفتهم إيانا، ويقال: جمع قليل وقليلون، كما يقال حي واحد، وواحدون.
ثم اخبر تعالى عن فرعون أنه قال لجنده "إنا لجميع حذرون" منهم قد استعددنا لقتالهم.
ثم اخبر تعالى عن كيفية إهلاكهم بأن قال { فأخرجناهم } يعني فرعون وقومه { من جنات } وهي البساتين التي تجنها الاشجار { وعيون } جارية فيها { وكنوز } يعني اموال لهم مخبئة بعضها على بعض في مواضع غامضة من الارض ومنه كناز التمر وغيره مما يعبأ بعضه على بعض { ومقام كريم } فالمقام الموضع الذي يقيمون فيه. ويجوز أن يكون مصدراً و "الكريم" هو الحقيق باعطاء الخير الجزيل، لأنه اهل للكرم، وهي صفة تعظيم في المدح: كرم كرماً واكرمه إكراماً، وتكرّم تكرماً. وقيل: المقام الكريم المنابر. وقيل مجالس الامراء والرؤساء: التي كان يحف بها الاتباع.
ثم قال تعالى { كذلك } أي مثل ذلك أي كما وصفنا لك اخبارهم { وأورثناها بني إسرائيل } أي نعم آل فرعون بأن اهلكنا آل فرعون وملكنا ديارهم واملاكهم لبني اسرائيل. والارث تركة الماضي ممن هلك لمن بقي. وقيل صار ذلك في ايدي بني اسرائيل في ايام داود وغيره. وقال الحسن: رجع بنو إسرائيل إلى مصر بعد اهلاك فرعون وقومه.
وقوله { فأتبعوهم مشرقين } معناه تبعوا اثرهم وقت اشراق الشمس وظهور ضوئها وصفائه. وقيل معناه مصبحين، ويقال: اتبع فلان فلاناً وتبعه اذا اقتفى اثره - لغتان -.