التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ
٦١
قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ
٦٢
فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ
٦٣
وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلآخَرِينَ
٦٤
وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ
٦٥
ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ
٦٦
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ
٦٧
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ
٦٨
وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ
٦٩
إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ
٧٠
-الشعراء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ حفص { معي ربي } بفتح الياء، وكذلك في جميع القرآن. الباقون بسكونها، فمن سكن ذهب إلى التخفيف، ومن فتح فعلى أصل الكلمة لان الاسم على حرف واحد، فقراءته - بالفتح - ان كان متصلا بكلمة على حرفين.
وكان اصحاب موسى فزعوا من فرعون أن يلحقهم وحذروا موسى، فقالوا { إنا لمدركون } فقال لهم موسى (ع) - ثقة بالله - { كلا } ليس كما تقولون { إن معي ربي سيهدين } وقرأ الاعرج { لمدّركون } مفتعلون، من الادراك وادغم التاء في الدال. قال الفراء: دركت دراكاً وادركت ادراكاً بمعنى واحد، مثل حفرت واخفرت، بمعنى واحد.
وقرأ حمزة وحده { تراء الجمعان } بالامالة. الباقون بالتفخيم على وزن (تراعى) لأنه تفاعل من الرؤية، وهو فعل ماض موحد، وليس مثنى، لأنه فعل متقدم على الاسم، ولو كان مثنى لقال تراءا ووقف حمزة "تراى" بكسر الراء ممدود قليلا، لأن من شرطه ترك الهمزة في الوقف، فترك الهمزة التى آخر الألف، كأنه يريدها، فلذلك مد قليلا. ووقف الكسائي "ترآى" اى بالامالة على وزن تراعى، وتنادى. الباقون وقفوا بألفين على الأصل. وكذلك جميع ما في القرآن مثل
{ { أنشأناهن إنشاء } و { أنزل من السماء ماء } كل ذلك يقفون بالمد بألفين. وحمزة يقف على الف واحدة. واذا كانت الهمزة للتأنيث أسقطت الهمزة في الوقف عند الجميع نحو { { بيضاء } و { { إنها بقرة صفراء } و { { الأخلاء } فيشم الضمة في موضع الرفع ولا يشم الفتحة في موضع النصب.
اخبر الله تعالى انه { لما تراء الجمعان } جمع فرعون وجمع موسى أى تقابلا بحيث يرى كل واحد منهما صاحبه. ويقال: ترآ نارهما أى تقابلا، وانما جاز تثنية الجمع، لانه يقع عليه صفة التوحيد، فتقول: هذا جمع واحد، ولا يجوز تثنية مسلمين، لانه لا يقع عليه صفة التوحيد، لأنه على خلاف صفة التوحيد. { قال أصحاب موسى إنا لمدركون } أى لملحقون. فالادراك الالحاق، وادركته ببصري اذا رأيته، وادرك قتادة الحسن اى لحقه، وادرك الزرع اذا لحق ببلوغه، وأدرك الغلام إذا بلغ، وادركت القدر إذا نضجت، فقال لهم: موسى { كلا } ليس الامر على ذلك { إن معي ربي } بنصره إياي { سيهدين } أي سيدلني على طريق النجاة من فرعون وقومه كما وعدني، لأن الانبياء لا يخبرون بما لا دليل عليه من جهة العقل او السمع.
وقوله { فأوحينا إليه أن اضرب بعصاك البحر } اي امرناه بضرب البحر بعصاه، وقيل: هو بحر قلزم الذي يسلك الناس فيه من اليمن ومكة إلى مصر، وفيه حذف، لان تقديره فضرب البحر { فانفلق } وقيل: انه صار فيه إثنا عشر طريقاً لكل سبط طريق { فكان كل فرق كالطود العظيم } فالطود الجبل، قال الأسود بن يعفر النهشلي:

حلوا بانقرة يحيس عليهم ماء الفرات يجيء من اطواد

وقوله { وأزلفنا ثم الآخرين } قال ابن عباس وقتادة: معناه قربنا إلى البحر فرعون، ومنه قوله { وأزلفت الجنة للمتقين } أي قربت وادنيت قال العجاج:

ناج طواه الأين مما وجفا طي الليالي زلفاً فزلفاً
سمارة الهلال حتى احقوقفا

أي منزله يقرب من منزله، ومنه قيل ليلة المزدلفة. وقال ابو عبيدة: معنى أزلفنا جمعنا، وليلة مزدلفة ليلة جمع، والمعنى قربنا قوم فرعون إلى البحر كما يسرنا لبني اسرائيل سلوك البحر وكان ذلك سبب قربهم منهم حتى اقتحموه وقيل: معناه قربناهم إلى المنية لمجيء وقت هلاكهم قال الشاعر:

وكل يوم مضيء او ليلة سلفت فيها النفوس إلى الاجال تزدلف

وانجينا موسى ومن معه يعني بني إسرائيل أنجيناهم جميعهم من الهلاك والغرق { ثم أغرقنا الباقين } من فرعون وأصحابه. وقال تعالى { إن في ذلك } يعني في فلق البحر فرقاً، وانجاء موسى من البحر، وإغراق قوم فرعون، لدلالة واضحة على توحيد الله وصفاته التي لا يشاركه فيها أحد.
ثم اخبر تعالى ان { أكثرهم لا يؤمنون } ولا يستدلون به بسوء اختيارهم كما يسبق في علمه. فالآخر - بفتح الخاء - الثاني من اثنين قسيم (احد) كقولك نجا الله أحدهما، وغرق الآخر، والآخر - بكسر الخاء - هو الثاني قسيم الأول كقولك نجا الأول وهلك الآخر. وقيل: معنى { وما كان أكثرهم مؤمنين } ان الناس مع هذا البرهان الظاهر، والسلطان القاهر، بالامر المعجز الذي لا يقدر عليه أحد غير الله، ما آمن اكثرهم، فلا تستنكر أيها المحق استنكار استيحاش من قعودهم عن الحق الذي تأتيهم به، وتدلهم عليه، فقد جروا على عادة اسلافهم، في انكار الحق وقبول الباطل.
وقوله { وإن ربك لهو العزيز الرحيم } أي هو القادر الذي لا يمكن معارضته في أمره، وهو مع ذلك رحيم بخلقه. وفى ذلك غاية الحث على طلب الخير من جهة الموصوف بهما. ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وسلم) { واتل } يا محمد على قومك { نبأ إبراهيم } أي خبره، حين { قال لأبيه وقومه ما } الذي { تعبدون } من دون الله؟! يعني أي شيء معبودكم على وجه الانكار عليهم، لانهم كانوا يعبدون الاصنام.