التفاسير

< >
عرض

قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيۤ أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ
٤١
فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ
٤٢
وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ
٤٣
قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٤٤
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ
٤٥
-النمل

التبيان الجامع لعلوم القرآن

خمس آيات عند الكل ما عدا الكوفي، فانها في عدده ست آيات عد { قوارير } آية. ولم يعده الباقون.
حكى الله تعالى ان سليمان أمر ان ينكروا لها عرشها، وهو أن يغيره إلى حال تنكره اذا رأته اراد بذلك اعتبار عقلها على ما قيل. والجحد والانكار: جحد العلم بصحة الشيء، ونقيضه الاقرار، والتنكير تغيير حال الشيء إلى حال ينكرها صاحبها إذا رآها.
وقوله { ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون } بيان من سليمان ان الغرض بتنكير عرشها ننظر اتهتدي بذلك أم تكون من الذين لا يهتدون إلى طريق الرشد، فلما جاءت المرأة، قال لها سليمان { أهكذا عرشك } فقالت في الجواب كأنه هو، ولم تقطع عليه، لما رأت من تغير احواله. فقال سليمان { وأوتينا العلم من قبلها } قال مجاهد: هو من قول سليمان { وكنا مسلمين } اي مؤمنين بالله مستسلمين له. وقال الجبائي: هو من كلام قوم سليمان (ع).
ثم اخبر تعالى فقال { وصدها ما كانت تعبد من دون الله } ومنعها منه وتقديره وصدها سليمان عما كانت تعبد من دون الله، ومنعها منه { انها كانت من قوم كافرين } بنعم الله عليهم عابدين مع الله غيره. وقال الفراء: يجوز ان يكون المراد صدها عن عبادة ما كانت تعبد من دون الله من الشمس انها كانت من قوم كافرين يعبدون الشمس، فنشأت على ذلك. وكسر (انها) على الاستئناف، ولو نصب على معنى، لأنها جاز.
ثم حكى بأنه قيل لها { ادخلي الصرح } فالصرح هو الموضع المنبسط المنكشف من غير سقف، ومنه قولهم: صرح بالأمر اذا افصح به، ولم يكن عنه. والتصريح خلاف التعريض، وفلان يكذب صراحاً من هذا. { فلما رأته حسبته لجة } يعني ان المرأة لما رأت الصرح ظنته لجمة، واللجة معظم الماء. ومنه لجج البحر خلاف الساحل. ومنه لجّ في الأمر اذا بالغ بالدخول فيه { وكشفت عن ساقيها } ظناً منها انها تريد ان تخوض الماء. وقيل: ان سليمان اجرى الماء تحت الصرح الذي هو كهيئة السطح. وقيل: الصرح صحن الدار يقال صرحة الدار، وراحة الدار، وقاعة الدار، وقارعة الدار كله بمعنى صحن الدار. وقيل صرح القصر، قال الشاعر:

بهن نعام بناء الرجال تشبه اعلامهن الصروحا

وقال ابو عبيدة: كل بناء من زجاج او صخر او غير ذلك موثق، فهو صرح، ومنه { { يا هامان ابن لي صرحاً } وقيل: انه اراد ان يختبر عقلها. وقيل: لأنهم كانوا قالوا: إن ساقيها مثل ساق الحمار برجل حمار، لأنها من ولد بين الانس والجن، لأنه قيل: ان الجن خافت ان يتزوج بها سليمان، فقالوا ذلك لينفروا عنها، فلما امتحن ذلك وجده على خلاف ما قيل فيه. وقيل: انه كان قيل: ان على ساقيها شعراً، فلما كشفته بان الشعر فساءه ذلك واستشار الجن في ذلك، فعملوا له النورة والزرنيخ. وقيل: انه اول من اتخذ له ذلك. وقيل: انما فعل ذلك ليريها عظيم آيات الله لتسلم وتهتدي إلى دين الله.
ثم قال لها { إنه صرح ممرد من قوارير } فالممرد المملس، ومنه الأمرد. وشجرة مرداء ملساء لا ورق عليها، والمارد الخارج عن الحق المملس منه. فقالت عند ذلك يا رب { إني ظلمت نفسي } بما ارتكب من المعاصي بعبادة غيرك { وأسلمت } الآن { مع سليمان لله رب العالمين } الذي خلق الخلق. وقيل: انها لما اسلمت تزوجها سليمان (ع).
ثم اخبر تعالى انه ارسل { إلى ثمود أخاهم صالحاً } يعني في النسب، لأنه كان منهم { أن اعبدوا الله } موضع (أن) نصب، وتقديره ارسلناه بأن اعبدوا الله، وحده لا شريك له { فإذا هم فريقان يختصمون } يعني منهم مؤمن بصالح ومنهم كافر به، في قول مجاهد.