التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَنتَ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ
٨١
وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ ٱلأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ
٨٢
وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ
٨٣
حَتَّىٰ إِذَا جَآءُو قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً أَمَّا ذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٨٤
وَوَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيهِم بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ
٨٥
-النمل

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ حمزة { تهدي } بالتاء مفتوحة وبسكون الهاء { العمي } بنصب الياء. ويقف على { تهدي } بالياء. الباقون { بهاد } بباء مكسورة وبألف بعد الهاء، وخفض الياء من { العمي } على الاضافة في الموضعين. فقراءة حمزة تفيد الفعل المضارع. وقراءة الباقين اسم الفاعل.
يقول الله تعالى لنبيه لست يا محمد تهدي العمي عن ضلالتهم. والهادي هو الذي يدعو غيره إلى الحق ويرشد اليه. وقد يدعو بالنطق بأن يقول: هو صواب وقد يدعو اليه بأن يبين أنه صواب، فانه ينبغي أن يعمل عليه ويعتقد صحته. والضلالة الذهاب عن طريق الصواب وهو الهلاك بالذهاب عنه. وإنما شبه الله تعالى الكفار بأنهم عمي، لانهم من حيث لم يهتدوا إلى الحق، ولم يصيروا اليه فكأنهم عمي، وانما نفى أن يهديهم إلى الحق بأن يحملهم عليه او يجبرهم عليه، ولم ينتف أن يكون هادياً لهم بالدعاء اليه، ويبين لهم الحق فيه.
وقوله { إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا } معناه لا تسمع إلا من يطلب الحق بالنظر في آياتنا ولا يلبث أن يسلم، لان الدلائل تظهر له، وعقله يخاصمه حتى يقول بالحق ويعتقده. وانما قال انه يسمع المؤمنين، من حيث أنهم الذين ينتفعون به ويسلمون له.
وقوله { وإذا وقع القول عليهم } قال قتادة: معناه وجب الغضب عليهم. وقال مجاهد: حق القول عليهم بأنهم لا يؤمنون. وقيل: معناه إذا وقع القول عليهم بأنهم قد صاروا إلى منزلة من لا يفلح أحد منهم ولا أحد بسببهم، أخذوا حينئذ بمنادي العقاب باظهار البراءة منهم. وقال ابن عمر، وعطية: إذا لم يأمر الناس بالمعروف وينهوا عن المنكر تخرج الدابة. وقيل: انها تخرج من بين الصفا والمروة. وروى محمد بن كعب القرطي عن علي (عليه السلام) انه سئل عن الدابة، فقال: (اما والله مالها ذنب وإن لها لحية) وفي هذا القول منه (ع) إشارة إلى انه من ابن آدم. وقال ابن عباس: دابة من دواب الله لها زغب وريش لها أربعة قوائم. وقال ابن عمر: انها تخرج حتى يبلغ رأسها الغيم، فيراها جميع الخلق. ومعنى { تكلمهم } قيل فيه قولان:
احدهما - تكلمهم بما يسوؤهم من انهم صائرون إلى النار، من الكلام بلسان الآدميين الذي يفهمونه ويعرفون معناه، فتخاطب واحداً واحداً، فتقول له: يا مؤمن يا كافر. وقيل { تكلمهم بأن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون } أي بهذا القول. ذكره ابن مسعود.
الثاني - تكلمهم من الكلام. وقيل إنها تكتب على جبين الكافر أنه كافر وعلى جبين المؤمن أنه مؤمن. وروي ذلك عن النبي (صلى الله عليه وسلم).
ثم قال { ويوم نحشر من كل أمة فوجاً ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون } واستدل به قوم على صحة الرجعة في الدنيا، لأنه قال: من كل أمة، وهي للتبعيض فدل على ان هناك يوماً يحشر فيه قوم دون قوم، لأن يوم القيامة يحشر فيه الناس عامة، كما قال
{ { وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً } }. ومن حمل الآية على أن المراد باليوم يوم القيامة قال: إن (من) زائدة، والتقدير ويوم نحشر كل أمة فوجاً أي فوجاً فوجاً من الذين كذبوا بآيات الله ولقاء الآخرة { فهم يوزعون } أي يجمعون. وقال ابن عباس: معناه يدفعون. وقيل: يساقون. وقيل: يوقف أولهم على آخرهم.
وقوله { ووقع القول عليهم بما ظلموا } أي صاروا إلى منزلة من لا يفلح احد منهم، ولا احد بسببهم، { فهم } في ذلك الوقت { لا ينطقون } بكلام ينتفعون به. ويجوز أن يكون المراد { لا ينطقون } أصلا لعظم ما يرونه ويشاهدونه من أهوال القيامة.
وقرأ اهل الكوفة { تكلمهم أن الناس } بفتح الالف، لان ابن مسعود قرأ { بأن الناس } فلما سقطت الباء نصبوا { أن }. الباقون بالكسر على الاستئناف. وروي عن ابن عباس { تكلمهم } مخففاً اي تسمهم وتجرحهم تقول العرب كلمت زيداً إذا جرحته. وقد يقال ايضاً بالتشديد من الجراح، ولا يقال في الكلام إلا بالتشديد.