التفاسير

< >
عرض

قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَٱغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
١٦
قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ
١٧
فَأَصْبَحَ فِي ٱلْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسْتَنْصَرَهُ بِٱلأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ
١٨
فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِٱلَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يٰمُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِٱلأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِينَ
١٩
وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَٱخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّاصِحِينَ
٢٠
-القصص

التبيان الجامع لعلوم القرآن

حكى الله تعالى عن موسى انه حين قتل القبطي ندم على ذلك وقال يا { رب إني ظلمت نفسي } بقتله وسأله ان يغفر له، فحكى الله تعالى انه { غفر له } لان { الله هو الغفور } لعباده { الرحيم } بهم المنعم عليهم. وعند أصحابنا أن قتله القبطي لم يكن قبيحاً، وكان الله أمره بقتله، لكن كان الأولى تأخيره إلى وقت آخر لضرب من المصلحة، فلما قدم قتله كان ترك الأولى والافضل، فاستغفر من ذلك لا أنه فعل قبيحاً. وقال جماعة: ان ذلك كان منه صغيرة غير انها وقعت مكفرة لم يثبت عليها عقاب، ويكون قوله { رب إني ظلمت نفسي } على الوجه الأول أي بخست نفسي حقها بأن لم أفعل ما كنت أستحق به ثواباً زائداً. وعلى المذهب الثاني مذهب من يقول بالموازنة يقول: لأنه نقص من ثوابه، وكان بذلك ظالماً لنفسه. فأما من قال: إن ذلك كان كبيرة منه وظلماً فخارج عما نحن فيه، لأن ادلة العقل دلت على أن الأنبياء لا يجوز عليهم شي من القبائح، لا كبيرها ولا صغيرها. ومن قال: إنه كان ذلك صغيرة، قال: كان دفعه له المؤدي إلى القتل صغيرة، لا أنه قصد القتل وكان صغيرة.
وقوله { قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين } معناه إن أنعمت علي فلن اكون، فهو مشبه بجواب الجزاء، ولذلك دخلت الفاء في الجواب، وإذا وقع الانعام قيل لما أنعمت، فلن اكون، لأنها في كلا الموضعين تدل على أن الثاني وقع من أجل الاول. ويحتمل أن يكون ذلك قسماً من موسى بنعم الله عليه، بمغفرته، وفنون نعمه بأن لا يكون معيناً على خطيئة، ولا يكون ظهيراً. والظهير المعين لغيره بما به يصير كالظهر له الذي يحميه من عدوه.
وقوله { فأصبح في المدينة خائفاً يترقب } معناه إن موسى أصبح خائفاً من قتل القبطي، يترقب الأخبار - في قول ابن عباس - والترقب التوقع. وقوله { فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه } يعني رأى من كان استنصره بالأمس، بأن طلب نصرته على عدوه { يستصرخه } أي يطلب نصرته ايضاً. وقيل: يطلب الصراخ على العدو بما يردعه عن الايقاع بمن قد تعرض له { قال له موسى انك لغوي مبين } أي عادل من الرشد، ظاهر الغواية، ومعناه انك لغوي في قتالك من لا تطيق دفع شره عنك، من أصحاب فرعون، خائب فيما تقدر أن تفعله.
وقوله { فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدوّ لهما } قيل: إن موسى هم أن يدفع العدو عن نفسه وعن صاحبه، ويبطش به { قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس } قال الحسن: هو من قول الفرعوني، لانه كان قد اشتهر أمر القتل بالأمس أنه قتله بعض بني إسرائيل. وقال ابن عباس واكثر اهل العلم انه من قول الإسرائيلي، لانه قال له موسى انك لغوي مبين، خاف على نفسه فظن أنه يريد الايقاع به، فقال ما قال. وقوله { إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض } اي لست تريد بقتل من قتلته بالأمس إلا أن تكون جباراً متكبراً في الارض { وما تريد } اي ولست تريد { أن تكون من } جملة { المصلحين }.
وقوله { وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى } قيل هو مؤمن آل فرعون { قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك } أي يأمر بعضهم بعضاً بقتلك. وقيل: يأتمرون معناه يرتاؤن، قال نمر بن تولب:

أرى الناس قد احدثوا شيمة وفى كل حادثه يؤتمر

أي يرتاء، وقال آخر:

ما تأتمر فينا فأمـ ـرك في يمينك أو شمالك

فقوله { فاخرج إني لك من الناصحين } حكاية ما قال الرجل لموسى، وانه ناصح له بقوله، يحذره من اعدائه. وقال الزجاج: وقوله { إني لك } ليست من صلة { الناصحين } لان الصلة لا تقدم على الموصول، لكن تقديره: إني من الناصحين الذين ينصحون لك، يقال: نصحت لك ونصحتك، والاول اكثر.