التفاسير

< >
عرض

وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَـٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
٤٦
وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٤٧
فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ لَوْلاۤ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ
٤٨
قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَآ أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٤٩
فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
٥٠
-القصص

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل الكوفة { سحران } بغير الف. الباقون { ساحران } وقيل في معناه قولان:
احدهما - قال مجاهد اراد موسى وهارون،
والثاني - قال ابن عباس: أراد موسى ومحمداً { تظاهرا }: اي تعاونا.
ومن قرأ { سحران } قال ابن عباس: أراد التوراة والقرآن. وقال الضحاك: اراد الانجيل والقرآن. وقال عكرمة: أراد التوراة والانجيل. ومن اختار { ساحران } فلأنه قال تظاهرا وذلك إنما يكون بين الساحرين دون السحرين. ومن قرأ { سحران } قال: في ذلك ضرب من المجاز، كما قال
{ { بكتاب من عند الله هو أهدى } والكتاب يهتدى به، ولا يهدي. وانما يقال ذلك مجازاً.
يقول الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وسلم) { ما كنت بجانب الطور } الذي كلم الله عليه موسى حين ناداه وكلمه. وقال له
{ إنني أنا الله } } { { يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين } } { { فخذها بقوة } وقيل: إن هذه المرة الثانية التي كلم الله فيها موسى { ولكن رحمة من ربك } ومعناه لكن آتيناك علم ذلك رحمة من ربك، ونعة عليك، لما فيه من العبرة والموعظة، وإن سبيلك لسبيل غيرك من النبيين في التأييد والمعجزة الدالة على النبوة.
وقوله { لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك } فالانذار الاعلام بموضع المخافة ليتقى، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) نذير لأنه معلم بالمعاصي، وما يستحق عليها من العقاب، لتتقى بالطاعات، والنذر العقد على ضرب من البر بالسلامة من الخوف والمعنى إنا أعلمناك لتخوف قوماً لم يأتهم مخوف قبلك ليتذكروا ويعتبروا، وينزعوا عن المعاصي. و (التذكر) طلب الذكر بالفكر والنظر.
وقوله { ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم } أي لولا أن تلحقهم مصيبة جزاء على ما كسبت ايديهم فيقولوا حينئذ { لولا أرسلت إلينا رسولاً } اي هلا ارسلت الينا من ينهانا عن المعاصي ويدعونا إلى الطاعات { فنتبع آياتك } أي ادلتك وبيناتك { ونكون من المؤمنين } بوحدانيتك لما أهلكناهم عاجلا بكفرهم، فجواب { لولا } محذوف لدلالة الكلام عليه، لأن معنى الكلام الامتنان عليهم بالامهال حتى يتذكروا ما أتى به الرسول (صلى الله عليه وسلم). وقال قوم جواب { لولا } { أرسلت إلينا رسولاً }.
وفي الآية دلالة على وجوب فعل اللطف، لأنه لو لم يكن فعله واجباً لم يكن للآية معنى صحيح. ثم اخبر تعالى انه { فلما جاءهم } يعني الكفار { الحق من عندنا } من عند الله من القرآن والادلة الدالة على توحيده { قالوا } عند ذلك: هلا أوتى محمد من المعجزات { مثل ما أوتي موسى } من قبل: من فلق البحر وقلب العصا حية وغير ذلك. فقال الله تعالى { أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل } قال الجبائي معنى { أولم يكفروا } اي او لم يكفر من كان في عصر موسى وهارون، ونسبوهما إلى السحر فـ { قالوا ساحران تظاهرا } اي موسى ومحمد - في قول ابن عباس، وفي قول مجاهد: موسى وهارون. ومن قرأ { سحران } أراد التوراة والقرآن او التوراة والانجيل او الانجيل والقرآن. على ما حكيناه بخلاف فيه وأنهم قالوا مع ذلك { إنا بكل كافرون } اي بكل ما امر به، وذكر انه من عند الله. ويحتمل ان يكون المراد بموسى وهارون. وقال الحسن: المعني بقوله { إنا بكل كافرون } مشركوا العرب الذين كفروا بالتوراة والانجيل والقرآن.
ثم امر تعالى نبيه (صلى الله عليه وسلم) أن يقول لكفار قومه { فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما } يعني من كتاب موسى وكتاب محمد - في قول ابن زيد - { أتبعه إن كنتم صادقين } فيما تدعونه، ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وسلم) { فإن لم يستجيبوا لك } مع ظهور الحق { فاعلم أنما يتبعون أهواءهم } أي ما تميل طباعهم اليه، لأن الهوى ميل الطبع إلى المشتهى. وما عمل على انه حسن للهوى فلا يجوز أن يكون طاعة لكنه أبيح أن يفعله على هذا الوجه، كما أبيح أن يفعله للذة والشهوة، والاستمتاع به. وانما يكون طاعة لله ما عمل على أنه حسن لان الحكم دعا اليه او لان الحكمة دعت اليه إذ كلما دعت اليه الحكمة بالترغيب فيه فالحكم داع اليه.
ثم اخبر تعالى فقال { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين } أي لا يهديهم إلى طريق الجنة. ويجوز ان يكون المراد لا يحكم بهدايتهم، لانهم عادلون عن طريق الحق.