التفاسير

< >
عرض

يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ
٢١
وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
٢٢
وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَلِقَآئِهِ أُوْلَـٰئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٢٣
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٢٤
وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ
٢٥
-العنكبوت

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن كثير وابو عمرو، والكسائي { مودة بينكم } بالرفع والاضافة. وقرأ نافع وابو بكر عن عاصم وابن عامر { مودة بينكم } منوناً منصوباً، وروى الأعشى عن أبي بكر برفع { مودة } و { بينكم } نصب، وقرأ حفص عن عاصم وحمزة { مودة بينكم } نصباً غير منون مضاف.
من رفع يحتمل وجهين احدهما - ان يجعل { إنما } كلمتين يجعل (ما) بمعنى الذي، وهو اسم (ان) و (مودة) خبره، ومفعول اتخذتم (هاء) محذوفة، وتقديره: إن الذي اتخذتموه مودة بينكم، كما قال الشاعر:

ذريني إنما خطائي وصوا بي علي وانما اهلكت مالي

يريد ان الذي أهلكته مالي. الثاني - ان يرفعها بالابتداء، و { في الحياة الدنيا } خبرها.
ومن نصب جعل (المودة) مفعول (اتخذتم).
ومن أضاف جعل البين الوصل.
ومن لم ينون ولم يضف جعل (البين) ظرفاً. وهو الفراق ايضاً. يقال: بينهما بين بعيد، وبون بعيد، وجلس زيد بيننا، وبينا بالادغام، ذكره ابن زيد عن ابن حاتم عن الاصمعي، يقال: بان زيد عمراً: إذا فارقه يبونه بوناً قال الشاعر:

كأن عيني وقد بانوني غرباً نصوح غير محنوني

وقرأ ابي { اثماً مودة بينكم }.
اخبر الله تعالى انه { يعذب من يشاء } من عباده اذا استحقوا العقاب { ويرحم من يشاء } منهم فيعفو عنهم بالتوبة وغير التوبة { وإليه تقلبون } معاشر الخلق أي اليه تحشرون وترجعون يوم القيامة. والقلب الرجوع والرد، فتقلبون أي تردون إلى حال الحياة في الآخرة بحيث لا يملك الضر والنفع فيه إلا الله. والقلب نفي حال بحال يخالفها. ثم قال: ولستم بمعجزين في الأرض أي بفائتين، فالمعجز الفائت بما يعجز القادر عن لحاقه. ولهذا فسروا { وما أنتم بمعجزين } أي بفائتين، والمعنى لا تغتروا بطول الامهال { في الأرض ولا في السماء } اي لستم تفوتونه في الارض، ولا في السماء لو كنتم فيها، فانه قادر عليكم حيث كنتم. وقيل في ذلك قولان: احدهما - لا يفوتونه هرباً في الأرض، ولا في السماء. الثاني - ولا من في السماء بمعجزين، كما قال حسان:

أمن يهجوا رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء

وتقديره ومن يمدحه وينصره سواء أم لا يتساوون؟!
وقوله { وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير } أي وليس لكم ولي ولا ناصر من دون الله يدفع عنكم عقاب الله إذا أراد بكم، فالولي هو الذي يتولى المعونة بنفسه، والنصير قد يدفع المكروه عن غيره تارة بنفسه وتارة بان يأمر بذلك. ثم قال تعالى { والذين كفروا بآيات الله } اي جحدوا أدلة الله ولقاء ثوابه وعقابه يوم القيامة { أولئك يئسوا من رحمتي } اخبار عن اياسهم من رحمة الله، لعلمهم انها لا تقع بهم ذلك اليوم { وأولئك لهم عذاب اليم } اي مؤلم. وفى ذلك دلالة على ان المؤمن بالله واليوم الآخر لا يجوز ان ييأس من رحمة الله.
ثم قال { فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه او حرقوه } وفى ذلك دلالة على ان جميع ما تقدم حكاية ما قال ابراهيم لقومه، وانهم لما عجزوا عن جوابه بحجة عدلوا إلى ان قالوا اقتلوه او حرقوه وفى الكلام حذف، وتقديره: إنهم اوقدوا ناراً وطرحوه فيها { فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآية } واضحة وحجة بينة { لقوم يؤمنون } بصحة ما اخبرناك به من توحيد الله واخلاص عبادته.
ثم عاد إلى حكاية قول ابراهيم وانه قال لهم { إنما اتخذتم من دون الله اوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا. ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً } قال قتادة: كل خلة تنقلب يوم القيامة عداوة إلا خلة المتقين كما قال
{ { الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } ومعنى الآية ان ابراهيم قال لقومه: انما اتخذتم هذه الأوثان آلهة من دون الله لتتوادوا بها في الحياة الدنيا، ثم يوم القيامة يتبرؤ بعضكم من بعض ويلعن بعضكم بعضاً، ومستقركم النار، وما لكم من ينصركم بدفع عذاب الله عنكم.
ثم قال لهم { ومأواكم النار } أي مستقركم و { ما لكم من ناصرين } يدفعون بالقهر والغلبة. وروى عبد الله بن احمد بن حنبل عن أبيه في كتاب التفسير أن جميع الدواب والهوام كانت تطفي عن ابراهيم النار إلا الوزغ فانها كانت تنفخ النار، فامر بقتلها. وروى أيضاً انه لم ينتفع احد يوم طرح ابراهيم في النار بالنار في جميع الدنيا.