التفاسير

< >
عرض

وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ
٦١
ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٦٢
وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ
٦٣
وَمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
٦٤
فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ
٦٥
لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ
٦٦
-العنكبوت

التبيان الجامع لعلوم القرآن

سبع آيات بصري وشامي، وست في ما عداه عدوا { مخلصين له الدين } ولم يعده الباقون.
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وخلف، والمسيبي، والأعشى، والبرجمي والكسائي عن أبي بكر { ليكفروا، وليتمتعوا } ساكنة اللام. الباقون بالكسر إلا نافعاً، لأنه اختلف عنه فيه. قال ابو علي: من كسرها وجعلها الجارة جعلها متعلقة بالاشراك، وكأن المعنى: يشركون ليكفروا، أي لا فائدة لهم في الاشراك إلا الكفر والتمتع بما يتمتعون به عاجلا من غير نصيب آجلا. ومن سكن جعل { ليكفروا } بمنزلة الأمر، وعطف عليه، وكان على وجه التهديد. وقال غيره: تحتمل هذه اللام أن تكون (لام كي) أي كأنهم اشركوا ليكفروا إذ لا يدفع الشرك في العبادة من كفر النعمة. ويجوز أن يكون لام الأمر على وجه التهديد بدلالة قوله { فسوف تعلمون }.
يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله ولئن سألت هؤلاء الكفار الذين جحدوا توحيدى وكفروا بنبوتك { من خلق السماوات والأرض } والمنشيء لها والمخرج لها من العدم إلى الوجود { وسخر الشمس والقمر } في دورانها على طريقه واحدة لا تختلف؟؟ { ليقولن } في جواب ذلك { الله } الفاعل لذلك لأنهم كانوا يقولون بحدوث العالم. والنشأة الأولى، ويعترفون بأن الأصنام لا تقدر على ذلك. ثم قال { فأنى يؤفكون } هؤلاء أي كيف يصرفون عن صانع ذلك والاخلاص لعبادته - في قول قتادة -.
ثم قال { الله يبسط الرزق لمن يشاء } أي يوسعه لمن يشاء من عباده بحسب ما تقتضيه المصلحة { ويقدر } أي يضيق مثل ذلك على حسب المصلحة ومنه قوله
{ ومن قدر عليه رزقه } بمعنى ضيق على قدر ما فيه مصلحته. وقيل: معنى ويقدر - ها هنا - ويقبض رزق العبد بحسب ما تقتضيه مصلحته. وخص بذكر الرزق على الهجرة لئلا يخلفهم عنها خوف العيلة.
وقوله { إن الله بكل شيء عليم } أي عالم بما يصلح العبد وبما يفسده فهو يوسع الرزق ويبسط بحسب ذلك. ثم قال { ولئن سألتهم } يعني هؤلاء الذين ذكرناهم { من نزل من السماء ماء }؟ يعني مطراً { فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن } في الجواب عن ذلك { الله } فـ { قل } يا محمد عند ذلك { الحمد لله } على فنون نعمه على ما وفقنا للاعتراف بتوحيده واخلاص عبادته. ثم قال { بل أكثرهم } يعني هؤلاء الخلق { لا يعقلون } ما قلناه لعدو لهم عن طريق المفضي اليه. ثم قال تعالى وليس { هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب } لأنها تزول كما يزول اللهو واللعب، لا بقاء لها، ولا دوام، كما يزول اللهو واللعب { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان } أي الحياة على الحقيقة لكونها دائمة باقية { لو كانوا يعلمون } صحة ما أخبرناك به. وقال ابو عبيدة: الحيوان والحياة واحد.
ثم قال تعالى مخبراً عن حال هؤلاء الكفار انهم { إذا ركبوا في الفلك } وهي السفن وهاجت به الرياح وخافوا الهلاك { دعوا الله مخلصين له الدين } لا يوجهون دعاءهم إلى الأصنام والأوثان { فلما نجاهم إلى البر } أي خلصهم إلى البر { إذا هم يشركون } أي يعودون إلى ما كانوا عليه من الاشراك معه في العبادة { ليكفروا بما آتيناهم } أي يفعلون ما ذكرناه من الاشراك مع الله ليجحدوا نعم الله التي أعطاهم إياها { وليتمتعوا } أي وليتلذذوا في العاجل من دنياهم، فالتمتع يكون بالمناظر الحسنة، والاصوات المطربة. والمشام الطيبة والمآكل الملذة، ثم قال مهدداً لهم { فسوف يعلمون } أي لا بد أن يعلموا جزاء ما يفعلونه من الأفعال من طاعة او معصية، فان الله يجازيهم بحسبها وذلك غاية التهديد.