التبيان الجامع لعلوم القرآن
سبع آيات بصري وشامي، وست في ما عداه عدوا { مخلصين له الدين } ولم يعده الباقون.
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وخلف، والمسيبي، والأعشى، والبرجمي والكسائي عن أبي بكر { ليكفروا، وليتمتعوا } ساكنة اللام. الباقون بالكسر إلا نافعاً، لأنه اختلف عنه فيه. قال ابو علي: من كسرها وجعلها الجارة جعلها متعلقة بالاشراك، وكأن المعنى: يشركون ليكفروا، أي لا فائدة لهم في الاشراك إلا الكفر والتمتع بما يتمتعون به عاجلا من غير نصيب آجلا. ومن سكن جعل { ليكفروا } بمنزلة الأمر، وعطف عليه، وكان على وجه التهديد. وقال غيره: تحتمل هذه اللام أن تكون (لام كي) أي كأنهم اشركوا ليكفروا إذ لا يدفع الشرك في العبادة من كفر النعمة. ويجوز أن يكون لام الأمر على وجه التهديد بدلالة قوله { فسوف تعلمون }.
يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله ولئن سألت هؤلاء الكفار الذين جحدوا توحيدى وكفروا بنبوتك { من خلق السماوات والأرض } والمنشيء لها والمخرج لها من العدم إلى الوجود { وسخر الشمس والقمر } في دورانها على طريقه واحدة لا تختلف؟؟ { ليقولن } في جواب ذلك { الله } الفاعل لذلك لأنهم كانوا يقولون بحدوث العالم. والنشأة الأولى، ويعترفون بأن الأصنام لا تقدر على ذلك. ثم قال { فأنى يؤفكون } هؤلاء أي كيف يصرفون عن صانع ذلك والاخلاص لعبادته - في قول قتادة -.
ثم قال { الله يبسط الرزق لمن يشاء } أي يوسعه لمن يشاء من عباده بحسب ما تقتضيه المصلحة { ويقدر } أي يضيق مثل ذلك على حسب المصلحة ومنه قوله { ومن قدر عليه رزقه } بمعنى ضيق على قدر ما فيه مصلحته. وقيل: معنى ويقدر - ها هنا - ويقبض رزق العبد بحسب ما تقتضيه مصلحته. وخص بذكر الرزق على الهجرة لئلا يخلفهم عنها خوف العيلة.
وقوله { إن الله بكل شيء عليم } أي عالم بما يصلح العبد وبما يفسده فهو يوسع الرزق ويبسط بحسب ذلك. ثم قال { ولئن سألتهم } يعني هؤلاء الذين ذكرناهم { من نزل من السماء ماء }؟ يعني مطراً { فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن } في الجواب عن ذلك { الله } فـ { قل } يا محمد عند ذلك { الحمد لله } على فنون نعمه على ما وفقنا للاعتراف بتوحيده واخلاص عبادته. ثم قال { بل أكثرهم } يعني هؤلاء الخلق { لا يعقلون } ما قلناه لعدو لهم عن طريق المفضي اليه. ثم قال تعالى وليس { هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب } لأنها تزول كما يزول اللهو واللعب، لا بقاء لها، ولا دوام، كما يزول اللهو واللعب { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان } أي الحياة على الحقيقة لكونها دائمة باقية { لو كانوا يعلمون } صحة ما أخبرناك به. وقال ابو عبيدة: الحيوان والحياة واحد.
ثم قال تعالى مخبراً عن حال هؤلاء الكفار انهم { إذا ركبوا في الفلك } وهي السفن وهاجت به الرياح وخافوا الهلاك { دعوا الله مخلصين له الدين } لا يوجهون دعاءهم إلى الأصنام والأوثان { فلما نجاهم إلى البر } أي خلصهم إلى البر { إذا هم يشركون } أي يعودون إلى ما كانوا عليه من الاشراك معه في العبادة { ليكفروا بما آتيناهم } أي يفعلون ما ذكرناه من الاشراك مع الله ليجحدوا نعم الله التي أعطاهم إياها { وليتمتعوا } أي وليتلذذوا في العاجل من دنياهم، فالتمتع يكون بالمناظر الحسنة، والاصوات المطربة. والمشام الطيبة والمآكل الملذة، ثم قال مهدداً لهم { فسوف يعلمون } أي لا بد أن يعلموا جزاء ما يفعلونه من الأفعال من طاعة او معصية، فان الله يجازيهم بحسبها وذلك غاية التهديد.