التفاسير

< >
عرض

وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
١٣٣
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ نافع وابن عامر { سارعوا } بلا واو، والباقون بالواو، وكذلك هي في مصاحف أهل الشام بلا واو. وفي مصاحف أهل العراق بالواو، والمعنى واحد، وإنما الفرق بينهما استئناف الكلام إذا كان بلا واو، ووصلها بما تقدم إذا قرىء بواو، لأنه يكون عطفاً على ما تقدم. وفي هذه الآية الامر بالمبادرة إلى مغفرة الله باجتناب معصيته وإلى الجنة التي عرضها السماوات والارض بفعل طاعته. واختلفوا في قوله { عرضها السماوات والأرض } فقال ابن عباس، والحسن: معناه عرضها كعرض السماوات السبع، والارضين السبع إذا ضم بعض ذلك إلى بعض، واختاره الجبائي، والبلخي. وإنما ذكر العرض بالعظم دون الطول، لأنه يدل على أن الطول أعظم، وليس كذلك لو ذكر الطول بدلا من العرض. ومثل الآية قوله: { ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة } ومعناه إلا كبعث نفس واحدة. وقال الشاعر:

كأن عذيرهم بجنوب سلى نعام قاق في بلد قفار

أي عذير نعام وقال آخر:

حسبت بغام راحلتي عناقا وما هي ويب غيرك بالعناق

أي صوت عناق. وقال أبو مسلم: معناه ثمنها لو بيعت كثمن السماوات والأرض لو بيعا. كما يقال عرضت هذا المتاع للبيع. والمراد بذلك عظم مقدارها، وجلالة قدرها، وانه لا يوازيها شيء وإن عظم، وهذا مليح غير أن فيه تعسفاً شديداً. فان قيل إذا كانت الجنة عرضها السماوات والارض فأين تكون النار؟! الجواب أنه روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) انه لما سئل عن ذلك، فقال: { سبحان الله إذا جاء النهار فأين الليل } وهذه معارضة فيها إسقاط المسألة، لأن القادر على أن يذهب بالليل حيث شاء قادر على أن يذهب بالنهار حيث شاء
وروي أنه سئل عن ذلك ابن عباس، وغيره من الصحابة، فان قيل فان الجنة في السماء، كيف يكون لها هذا العرض؟ قيل له يزاد فيها يوم القيامة. ذكره أبو بكر أحمد بن علي على تسليم انها في السماء ويجوز أن تكون الجنة مخلوقة في غير السماوات والارض. وفي الناس من قال: ان الجنة والنار ما خلقتا بعد وإنما يخلقهما الله على ما وصفه. وقال البلخي المراد بذلك وصفها بالسعة والعظم، كما يقول القائل في دار واسعة هذه دنيا وغرضه بذلك وصفه لها بالكبر وقوله: { أعدت للمتقين } معنى المتقين المطيعين لله ورسوله لاجتنابهم المعاصي وفعلهم الطاعات. ويجوز لاحتجازهم بالطاعة من العقوبة. وإنما أضيفت إلى المتقين، لأنهم المقصودون بها، وان دخلها الاطفال، والمجانين، فعلى وجه التبع، وكذلك حكم الفساق لو عفي عنهم.
وفيمن تكلم في أصول الفقه من استدل بقوله: { وسارعوا إلى مغفرة } على أن الأمر يقتضي الفور دون التراخي، لأنه تعالى أمر بالمسارعة والمبادرة إلى مغفرة وذلك يقتضي التعجيل. ومن خالف في تلك، قال: المسارعة إلى ما يقتضي الغفران واجبة وهي التوبة، ووجوبها على الفور. فمن أين أن جميع المأمورات كذلك.