التفاسير

< >
عرض

لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ
١٦٤
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

اللغة، والمعنى:
قوله: { لقد من الله } معناه أنعم الله. وأصل المن القطع. منه يمنه مناً: إذا قطعه.
{ { ولهم أجر غير ممنون } أي غير مقطوع. والمن النعمة، لأنه يقطع بها عن البلية. ويقول القائل: من علي بكذا أي استنقذني به مما أنا فيه. والمن تكدير النعمة، لأنه قطع لها عن وجوب الشكر عليها. والمنة القوة، لأنه يقطع بها الاعمال. وفي تخصيص المؤمن بذكر هذه النعمة وإن كانت نعمة على جميع المكلفين قيل فيه من حيث أنها على المؤمنين أعظم منها على الكافرين، لأنها نعمة عليهم من حيث هي نفع في نفسها. وفيما يؤدي إليه من الايمان بها، والعمل بما توجبه أحكامها، فالمؤمن يستحق اضافتها إليه من وجهين، لما بيناه من حالها، ونظائر ذلك قد بيناه مثل قوله: { هدى للمتقين } وغير ذلك وإنما أضافه إلى المتقين من حيث أنهم المنتفعون بها دون غيرهم. وقوله: { إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم } قيل فيه ثلاثة أقوال:
أحدها - من أنفسهم ليكون ذلك شرفاً لهم، فيكون ذلك داعياً لهم إلى الايمان.
الثاني - من أنفسهم، لسهولة تعلم الحكمة عليهم، لأنه بلسانه.
الثالث - من أنفسهم، ليتيسر عليهم علم أحواله من الصدق والأمانة والعفة والطهارة. وقال الزجاج: من عليهم إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم من الأميين، لا يتلو كتاباً ولا يخط بيمينه، فنشأ بين قوم يخبرونه ويعرفونه بالصدق والأمانة وأنه لم يقرأ كتاباً ولا لقنه، فتلا عليهم أقاصيص الأمم السالفة، فكان ذلك من أدل دليل على صدقة فيما أتى به. وقوله: { يتلو عليهم آياته } معناه يقرأ عليهم ما أنزله عليه من آيات القرآن { ويزكيهم } يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها - يشهد لهم بأنهم أزكياء في الدين، فيصيروا بهذه المنزلة الرفيعة في الخلق.
الثاني - يدعوهم إلى ما يكونون به زاكين سالكين سبيل المهتدين.
الثالث - قال الفراء يأخذ منهم الزكاة التي يطهرهم بها. وقوله: { ويعلمهم الكتاب والحكمة } يعني القرآن، وهو الحكمة. وإنما كرره بواو العطف لأمرين:
أحدهما - قال قتادة: الكتاب القرآن، والحكمة السنة.
والثاني - لاختلاف فائدة الصفتين، وذلك أن الكتاب ذكر للبيان أنه مما يكتب ويخلد ليبقى على الدهر، والحكمة البيان عما يحتاج إليه من طريق المعرفة.
وقوله: { وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } يعني أنهم كانوا كفاراً. وكفرهم هو ضلالهم فأنقذهم الله بالنبي (صلى الله عليه وسلم).