التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
١٩١
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

موضع { الذين } خفض، لأنه نعت { لأولي الألباب } أي فهؤلاء يستدلون على توحيد الله بخلقه السماوات والارض، وأنهم يذكرون الله في جميع أحوالهم قياماً وقعوداً، وهو نصب على الحال. وقوله: { وعلى جنوبهم } أي ومضطجعين، وانما عطف على قياماً وقعوداً، لأن معناه يدل على الحال، لأن الظرف يكون حالا للمعرفة كما يكون نعتاً للنكرة، لأنه من الاستقرار (كما تقول: مررت برجل على الحائط أي مستقراً على الحائط، ومررت برجل في الدار مثله، كما نقول أنا أصير إلى فلان ماشياً، وعلى الخيل، ومعناه وراكباً، كما قال: { { إذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً } ومعناه مضطجعاً أو قائماً أو قاعداً فبين تعالى أن هؤلاء المستدلين على حقيقة توحيد الله يذكرون الله في سائر الأحوال. وقال قوم: { يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم } أي يصلون على قدر إمكانهم في صحتهم وسقمهم، وهو المروي في أخبارنا، ولا تنافي بين التأويلين، لأنه لا يمتنع أن يصفهم بأنهم يفكرون في خلق السماوات والارض في هذه الاحوال ومع ذلك يصلون على هذه الأحوال في أوقات الصلوات، وهو قول ابن جريج وقتادة. وقوله: { ربنا ما خلقت هذا باطلاً } انما قال هذا ولم يقل هذه ولا هؤلاء، لأنه أراد به الخلق كأنه قال ما خلقت هذا الخلق باطلا أي يقولون { ربنا ما خلقت هذا باطلاً } بل خلقته دليلا على وحدانيتك وعلى صدق ماأتت به أنبياؤك، لأنهم يأتون بما يعجز عنه جميع الخلق. وقوله: { سبحانك } معناه براءة لك من السوء وتنزيهاً لك من أن تكون خلقتهما باطلا قال الشاعر:

أقول - لما جاءني فخره - سبحان من علقمة الفاخر

وقال آخر:

سبحانه ثم سبحانا يعود له وقبلنا سبح الجودي والجمد

وقوله: { فقنا عذاب النار } أي فقد صدقنا رسلك بأن لك جنة وناراً فقنا عذاب النار. ووجه اتصال قوله { فقناعذاب النار } بما قبله قيل فيه قولان:
أحدهما - كأنه قال: { ما خلقت هذا باطلاً } بل تعريضاً للثواب بدلا من العقاب { فقنا عذاب النار } بلطفك الذي نتمسك معه بطاعتك.
الثاني - اتصال الدعاء الذي هو طاعة لله بالاعتراف الذي هو طاعة له.
وفي الآية دلالة على أن الكفر والضلال وجميع القبائح ليست خلقاً لله، لأن هذه الاشياء كلها باطلة بلا خلاف. وقد نفى الله تعالى بحكايته عن أولي الالباب الذين رضي أقوالهم بأنه لا باطل فيما خلقه، فيجب بذلك القطع على أن القبائح كلها من فعل غيره، وأنه لا يجوز اضافتها إليه تعالى.