التفاسير

< >
عرض

رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبْرَارِ
١٩٣
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

في هذه الآية أيضاً حكاية عمن تقدم وصفهم بأنهم أولوا الالباب وغير ذلك من الأوصاف التي مضت بأنهم يقولون: { ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان } واختلفوا فيمن المنادي ها هنا، فقال محمد بن كعب القرظي وقتادة: هو القرآن. وقال ابن جريج وابن زيد: هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وهو الذي اختاره الجبائي، واختار الطبري الأول قال: لأنه ليس كل أحد سمع قول النبي (صلى الله عليه وسلم) ولا رآه ولا عاينه وسمع دعاءه إلى الله تعالى. والقرآن سمعه من رآه ومن لم يره كما قال تعالى مخبراً عن الجن انهم قالوا: { سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد } وهذا الذي ذكره ليس بطعن، لأنه إذا بلغه دعوة النبي (صلى الله عليه وسلم) جاز أن يقول { سمعنا منادياً } وإن كان فيه ضرب من التجوز، وقال قتادة سمعوا دعوة من الله فأجابوها وأحسنوا فيها وصبروا عليها. وقوله: { سمعنا منادياً } يعني نداء مناد لأن المنادي لا يسمع وقوله: { للإيمان } معناه إلى الايمان، كما قال: { { الحمد لله الذي هدانا لهذا } ومعناه إلى هذا قال الراجز:

أوحى لها القرار فاستقرت وشدها بالراسيات الثبت

يعني أوحى إليها. ومنه قوله: { { بأن ربك أوحى لها } أي إليها، فمعنى الآية { ربنا إننا سمعنا } داعياً يدعو إلى الايمان والتصديق بك، والاقرار بوحدانيتك، واتباع رسولك واتباع أمره ونهيه، فصدقنا بذلك يا { ربنا فاغفر لنا ذنوبنا } ومعناه استرها علينا، ولا تفضحنا بها في القيامة على رؤوس الاشهاد بعقوبتك، لكن كفرها عنا { وكفر عنا سيئآتنا } معناه امحها بفضلك ورحمتك ايانا { وتوفنا مع الأبرار } معناه واقبضنا إليك إذا قبضتنا في جملة الابرار، واحشرنا معهم.
اللغة، والمعنى:
والابرار جمع بر، وهم الذين بروا الله بطاعتهم إياه حتى أرضوه، فرضي عنهم. وقال الحسن: هم الذين لا يؤذون الذر وأصل البر الاتساع، فالبر الواسع من الارض خلاف البحر والبرصلة الرحم والبر: العمل الصالح. والبر: الحنطة والابرار على الخصم الزيادة عليه. وابترّ من أصحابه إذا انفرد منهم.
فان قيل: إذا كان النداء إنما هو تنبيه المنادى ليقبل بوجهه على المكلم له، فما معنى ربنا؟ قلنا: الأصل في النداء تنبيه المنادى ثم استعمل في استفتاح الدعاء اقتضاء للاجابة واعترافاً بالتفضل، ولا يجوز فتح (أن) بعد ربنا بايقاع النداء عليه، لأن بعده لا يكون إلا جملة ولا يقع فيه مفرد، لأنه لا يجوز ربنا ادخالك النار من أخزيته، لأنه ابتداء لا خبر له. فان قيل: ما معنى قوله: { وكفر عنا } وقد أغني عنه قوله: { فاغفر لنا } قلنا: جوابان:
أحدهما - اغفر لنا ذنوبنا ابتداء بلا توبة، وكفر عنا إن تبنا.
والثاني - اغفر لنا بالتوبة ذنوبنا، وكفر عنا باجتناب الكبائر السيئآت، لأن الغفران قد يكون ابتداء ومن سبب والتكفير لا يكون إلا عند فعل من العبد وقوله: { أن آمنوا } تحتمل ان أمرين:
أحدهما - أن تكون بمعنى أي على ما ذكره الرماني.
والثاني - أن تكون الناصبة للفعل، لأنه لا يقع في مثله دخول الباء نحو بأن آمنوا.