التفاسير

< >
عرض

وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وٱلأَبْرَصَ وَأُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
٤٩
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

القراءة:
قرأ أهل المدينة ويعقوب { طائراً بأذن الله } الباقون. { طيراً } وهو الاجود، لأنه إسم جنس وطائر صفة. وقرأ نافع وحده { إني أخلق } بكسر الهمزة. الباقون بفتحها.
الاعراب، والحجة:
يحتمل نصب قوله: { ورسولاً } وجهين:
أحدهما - بتقدير ويجعله رسولا فحذف لدلالة الاشارة عليه. والثاني - أن يكون نصباً على الحال عطفاً على وجيهاً، لا أنه في ذلك الوقت يكون رسولا بمعنى أنه يرسل رسولا. وقال الزجاج وجهاً ثالثاً بمعنى يكلمهم رسولا في المهد بـ { أني قد جئتكم بآية من ربكم } ولو قرئت { إني } بالكسر { قد جئتكم } كان صواباً. والمعنى يقول { إني قد جئتكم بآية من ربكم } أي بعلامة تدل على ثبوت رسالتي. وموضع { إني أخلق } يحتمل أن يكون خفضاً ورفعاً، فمن قرأ بالخفص فعلى البدل من آية بمعنى جئتكم بأني أخلق لكم من الطين. والرفع أريد به الآية إني أخلق من الطين. وجائز أن يكون { إني أخلق لكم } مخبرهم بهذه الآية ما هي أي أقول لكم { إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير }.
المعنى:
والمراد بالخلق التقدير دون الاحداث، يقال في التفسير أنه صنع من الطين كهيئة الخفاش، ونفخ فيه فصار طائراً. وجاز أن يقول فيه للفظ الطين. وقال في موضع آخر.
{ فينفخ فيها فتكون طيراً بإذني } للفظ الهيئة.
اللغة:
والطين معروف. ومنه طنت الكتاب طيناً أي جعلت عليه طيناً، لأختمه. وطينت البيت تطييناً. والطيانة: حرفة الطيان والطينة: قطعة من طين يختم بها الصك ونحوه. والهيأة: الحال الظاهرة هاء فلان يهاء هيئة. ومن قرأ { هيئت } معناه تهيأت لك فأما "هيت لك" فهلم لك والهيىء: الحسن الهيئة من كل شيء. والمهاياة: أمر يتهايا عليه القوم فيتراضون به. وقوله: { فانفخ فيه } النفخ معروف تقول نفخ ينفخ نفخاً، وانتفخ انتفاخاً، ونفخه نفخاً. والنفاخة للماء، والنفخة نحو الورم في البطن. والنفخة: نفخة الصور يوم القيامة. والمنفاخ كير الحداد. وأصل الباب نفخ الريح التي تخرج من الفم.
المعنى:
ومعنى "أنفخ فيه" يعني أنفخ فيه الروح وهو جسم رقيق كالريح، وهو غير الحياة، لأن الجسم انما يحيا بما يفعله الله تعالى فيه من الحياة، لأن الأجسام كلها متماثلة يحيي الله منها ما يشاء. وإنما قيد قوله: { فيكون طيراً بأذن الله } ولم يقيد قوله: { أخلق من الطين كهيئة الطير } بذكر إذن الله لينبه بذكر الاذن أنه من فعل الله دون عيسى. وأما التصوير والنفخ، ففعله، لأنه مما يدخل تحت مقدور القدر، وليس كذلك انقلاب الجماد حيواناً فانه لا يقدر على ذلك أحد سواه تعالى. وقوله: { وأحيي الموتى بإذن الله } على وجه المجاز إضافة إلى نفسه وحقيقته ادعوا الله باحياء الموتى فيحييهم الله فيحيون باذنه.
اللغة والمعنى:
وقوله: { وأبرىء الأكمه } فالبرء والشفاء والعافية نظائر في اللغة. والأكمه الذي يولد أعمى في قول قتادة، وأبي علي وقال الحسن، والسدي: هو الاعمى. والكمه عند العرب العمى كمه يكمه كمهاً قال سويد بن أبي كاهل:

كمهت عيناه حتى ابيضتا فهو يلحي نفسه لما نزع

والابرص معروف. وقوله: { وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم } أي أخبركم وأعلمكم بالذي تأكلونه، فتكون (ما) بمعنى الذي ويحتمل أن تكون (ما) مع ما بعدها بمنزلة المصدر، ويكون تقديره أخبركم بأكلكم. والأول أجود لقوله: { وما تدخرون } ويحتمل أن يكون المراد أيضاً وادخاركم. والاذخار الافتعال من الذخر ذخرت أذخر ذخراً وأذخرت اذخاراً. وأصل الباب الذخر، وهو خبء الشيء لتأتيه. وإنما أبدلت الدال من الذال في { تدخرون } لتعديل الحروف أو أبدلت الدال من الذال بوجهين الجهر واختلاف المخرج، فبدل ذلك بالدال، لأنها موافقة للتاء بالمخرج والدال بالجهر، فلذلك كان الاختيار، وكان يجوز تذخرون بالذال على الأصل ونظير ذلك في التعديل بين الحروف وازدجر، فمن اضطر، واصطبر، لموافقة الطاء للضاد والضاد بالاستعلاء والاطباق، ولم يجز إدغام الزاي في الدال، لأنها من حروف الصفير. ولكن يجوز مزجر. ولم يدغم الضاد في الطاء لأن فيها استطالة. والمجهور من الحروف: كل حرف اشبع الاعتماد عليه في موضعه ومنع النفس أن يجري معه. والمهموس: كل حرف أضعف الاعتماد عليه في موضعه وجرى معه النفس. وقوله: { إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين } وإن كانت آية للجميع، لأن معناه "إن كنتم مؤمنين" بالله إذ كان لا يصح العلم بمدلول المعجزة إلا لمن آمن بالله، لأن العلم بالمرسل قبل العلم بالرسول. وإنما يقال هي آية للجميع بأن يقدموا قبل ذلك الاستدلال على التوحيد. وأيضاً بأن من استحق وصفه بأنه مؤمن علم أن ذلك من آيات الله عز وجل.