التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ
٥
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

المعنى:
لما ذكر الله تعالى الوعيد على الاخلال بمعرفته مع نصب الادلة على توحيده وصفاته اقتضى أنه يذكر أنه لا يخفى عليه شيء في الارض، ولا في السماء، فيكون في ذلك تحذير من الاغترار بالاستسرار بمعصيته، لأن المجازي لا تخفى عليه خافية، فجرى ذلك موصولا بذكر التوحيد في أول السورة، لأنه من الصفات الدالة على ما لا تحق إلا له. فان قيل لم قال: { لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء } ولم يقل لا يخفى عليه شيء على وجه من الوجوه إذ كان أشد مبالغة؟ قيل: ليعلمنا أن الغرض علم ما يستسر به في الأرض أو في السماء. ولأن الافصاح بذكر ذلك أعظم في النفس وأهول في الصدر مع الدلالة على أنه عالم بكل شيء إلا أنه على وجه التصرف في العبارة عن وجوه الدلالة. فان قيل: لم قال { لا يخفى عليه شيء } ولم يقل عالم بكل شيء في الأرض والسماء؟ قيل لأن الوصف بأنه { لا يخفى عليه شيء } يدل على أنه يعلمه من كل وجه يصح أن يعلم منه مع ما فيه من التصرف في العبارة، وإنما قلنا: لا يخفى عليه شيء من حيث كان عالماً لنفسه. والعالم للنفس يجب أن يعلم كل ما يصح أن يكون معلوماً. وما يصح أن يكون معلوماً لا نهاية له، فوجب أن يكون عالماً به وإنما يجوز أن يعلم الشيء من وجه دون وجه، ويخفى عليه شيء من وجه دون وجه من كان عالماً بعلم يستفيده: - العلم حالا بعد حال -. فأما من كان عالماً لنفسه، فلا يجوز أن يخفى عليه شيء بوجه من الوجوه.