التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
٥٢
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

اللغة:
الاحساس هو الوجود بالحاسة، أحس يحس إحساساً. والحس القتل، لأنه يحس بألمه، ومنه قوله:
{ إذ تحسونهم بإذنه } والحس: العطف، لاحساس الرقة على صاحبه. والأصل فيه إدراك الشيء من جهة الملابسة. ومعنى الآية: فلما علم عيسى منهم الكفر، قال: { من أنصاري إلى الله }. والانصار جمع نصير مثل شريف وأشراف، وشهيد وأشهاد. وإنما لم يحمل على ناصر لأنه يجب أن يحمل على نظيره من فعيل وأفعال.
المعنى:
وقوله: { من أنصاري إلى الله } قيل فيه ثلاثة أقوال:
أحدها - من أعواني على هؤلاء الكفار إلى معونة الله أي مع معونة الله في قول السدي، وابن جريج. وإنما جاز أن تكون (إلى) بمعنى (مع) لما دخل الكلام من معنى الاضافة ومعنى المصاحبة، ونظيره (الذود إلى الذود إبل) أي مع الذود. ومثله
{ ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } أي مع أموالكم، وقولك: قدم زيد ومعه مال، فلا يجوز فيه إلى وكذلك قدم إلى أهله، لا يجوز فيه مع، لاختلاف المعنى.
الثاني - قال الحسن من أنصاري في السبيل إلى الله، لأنه دعاهم إلى سبيل الله. الثالث - قال الجبائي: من أنصاري لله، كما قال:
{ هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق } ووجه ذلك أن العرض يصلح فيه اللام على طريق العلة وإلى طريق النهاية. فان قيل عيسى إنما بعث بالوعظ دون الحرب لم استنصر عليهم؟ قلنا: للحماية من الكافرين الذين أرادوا قتله عند اظهار الدعوة - في قول الحسن ومجاهد - وقال آخرون: يجوز أن يكون طلب النصرة للتمكين من إقامة الحجة وإنما قاله ليتميز الموافق من المخالف. وقوله: { قال الحواريون } اختلفوا في تسميتهم حواريين على ثلاثة أقوال قال سعيد بن جبير: سموا بذلك لنقاء ثيابهم. الثاني - قال ابن جريج عن أبي أرطاء أنهم كانوا قصارين يبيضون الثياب. الثالث - قال قتادة، والضحاك: لأنهم خاصة الأنبياء يذهب إلى نقاء قلوبهم كنقاء الابيض بالتحوير. وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: الزبير ابن عمتي وحواري من أمتي.
اللغة:
وأصل الحواري الحور، وهو شدة البياض. ومنه الحواري من الطعام لشدة بياضه. ومنه الأحور، والحوراء لنقاء بياض العين، ومنه الحواريات نساء الانصار لبياضهن. قال أبو جلدة اليشكري:

فقل للحواريات يبكين غيرنا ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح

وقال بعض بني كلاب:

ولكنه ألقى زمام قلوصه ليحيا كريماً أو يموت حواريا

أي ناصراً لرفاقه غير خاذل لهم. والمحور: الحديدة التي تدور عليها البكرة، لأنها تنصقل حتى تبيض وحار يحور: إذا رجع، لانقلابه في الطريق الذي جاء فيه كانقلاب المحور بالتحوير.
المعنى:
وفي الآية حجة على من زعم أن المسيح والذين آمنوا به، كانوا نصارى فبين الله تعالى أنهم كانوا مسلمين كما بين ذلك في قصة ابراهيم (ع) حيث قال { ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً }.