التفاسير

< >
عرض

وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
٧٨
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

اللغة، والمعنى، والاعراب
"وإن منهم" الكناية بالهاء والميم راجعة على أهل الكتاب في قوله: { من أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار } في قول جميع المفسرين: الحسن وغيره. وقوله: { يلوون ألسنتهم } قال مجاهد، وقتادة، وابن جريج، والربيع: معناه يحرفونه بالتغيير والتبديل. وأصل الليّ: الفتل من قولك لويت يده إذا فتلتها قال الشاعر:

لوى يده الله الذي هو غالبه

ومنه لويت العمود إذا ثنيته وقال الآخر:

فلو كان في ليلى سدى من خصومة للويت أعناق الخصوم الملاويا

ومنه لويت الغريم لياً ولياناً إذا مطلته حقه قال الشاعر:

تطيلين لياني وأنت ملية واحسن يا ذات الوشاح التقاضيا

فقيل لتحريف الكلام بقلبه عن وجهه ليّ اللسان به، لأنه فتله عن جهته. وقوله: { لفريقاً } نصب بأنه اسم (ان) واللام لام التأكيد ويجوز دخولها على اسم (ان) إذا كان مؤخراً، فان قدم لم يجز دخولها عليه، لا تقول: ان لزيداً في الدار. وإنما امتنع ذلك لئلا يجتع حرفا التأكيد، لأن (ان) للتأكيد واللام للتأكيد أيضاً فلم يجز الجمع بينهما لئلا يتوهم اختلاف المعنى، كما لم يجز دخول التعريف على التعريف، والتأنيث على التأنيث، فأما قولهم: جاءني القوم كلهم أجمعون، فكل تأكيد للقوم وأجمعون تأكيد لكل. وقوله: { لتسحبوه من الكتاب } معناه لتظنوه. والفرق بين حسبت وزعمت: أن زعمت يحتمل أن يكون يقيناً أو ظناً، وحسبت لا يحتمل اليقين أصلا. وقوله: { ألسنتهم } جمع لسان على التذكير كحمار وأحمره. ويقال ألسن على التانيث كعناق وأعنق.
المعنى:
وقوله: { وما هو من عند الله } دلالة على أن المعاصي ليست من عند الله بخلاف ما تقوله المجبرة. ولا من فعله، لأنها لو كانت من فعله، لكانت من عنده، وليس لهم أن يقولوا إنها من عنده خلقاً وفعلا، وليست من عنده انزالا ولا أمراً، وذلك أنها لو كانت من عنده فعلا أو خلقاً، لكانت من عنده على آكد الوجوه فلم يجز إطلاق النفي بأنها ليست من عند الله. وكما لا يجوز أن تكون من عند الله من وجه من الوجوه، لاطلاق النفي بأنه ليس من عند الله، فوجب العموم فيها باطلاق النفي.
فان قيل: أليس الايمان عندكم من عنده، ومع ذلك ليس من عنده من كل الوجوه، فهلا جاز مثل ذلك في تأويل الآية؟ قيل: لا يجوز ذلك، لأن اطلاق النفي يوجب العموم، وليس كذلك اطلاق الاثبات ألا ترى أنك تقول: ما عندي طعام، فانما تنفي القليل، والكثير، وليس كذلك إذا قلت عندي طعام، لأنه لا يجب أن يكون عندك جميع الطعام فبان الفرق بين النفي والاثبات.