التفاسير

< >
عرض

أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ
٨٣
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

القراءة، والحجة، والاعراب:
قرأ أهل البصرة، وحفص يبغون بالياء. الباقون بالتاء. وقرأ يعقوب وحفص وإليه يرجعون بالياء. وكسر يعقوب الجيم، وفتح الياء. فمن قرأ بالياء أراد الاخبار عن اليهود وغيرهم من المشركين والتاء لجميع المكلفين. ومن قرأ بالتاء فيهما، فعلى الخطاب، فيهما. قوله: { أفغير دين الله } عطف جملة على جملة مثلها لو قيل أو غير دين الله يبغون إلا أن الفاء رتبت. كأنه قيل أبعد تلك الآيات غير دين الله تبغون أي تطلبون.
المعنى:
وقوله: { وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً } قيل في معناه ستة أقوال:
أولها - قال ابن عباس: أسلم من في السماوات والارض بالحالة الناطقة عنه الدالة عليه عند أخذ الميثاق عليهم.
الثاني - قول أبي العالية، ومجاهد: ان معناه { أسلم } أي بالاقرار بالعبودية وإن كان فيهم من أشرك في العبادة، كقوله:
{ ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } وقوله: { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } ومعناه ما ركب الله في عقول الخلائق من الدعاء إلى الاقرار بالربوبية ليتنبهوا على ما فيه من الدلالة.
الثالث - قال الحسن: { وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً } قال: أكره أقوام على الاسلام وجاء أقوام طائعين.
الرابع - قال قتادة: أسلم المؤمن طوعاً، والكافر كرهاً عند موته، كما قال:
{ فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا } واختاره البلخي. ومعناه التخويف لهم من التأخر عما هذه سبيله.
الخامس - قال عامر، والشعبي والزجاج، والجبائي أن معناه: استسلم بالانقياد والذلة، كما قال تعالى:
{ قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا } أي استسلمنا، ومعناه الاحتجاج به.
وسادسها - قال الفراء والأزهري إنما قال { طوعاً وكرهاً } لأن فيهم من أسلم ابتداء رغبة في الاسلام، وفيهم من أسلم بعد أن قوتل وحورب، فسمي ذلك كرهاً مجازاً وإن كان الاسلام وقع عنده طوعاً.
وقوله: { طوعاً وكرهاً } نصب على أنه مصدر، وقع موقع الحال، وتقديره طائعاً أو كارهاً، كما تقول أتاني ركضاً أي راكضاً. ولا يجوز أن تقول أتاني كلاماً أي متكلماً، لأن الكلام ليس بضرب من الاتيان والركض ضرب منه.
قوله: { إليه ترجعون } معنا تردون إليه للجزاء فاياكم ومخالفة الاسلام فيجازيكم بالعقاب. قال الله تعالى:
{ ومن يتبع غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } }.النزول:
وروي عن أبي عبد الله (ع) أنها نزلت في الحارث بن سويد بن الصامت. وكان ارتد بعد قتله المحذر بن ديار البلوي غدراً في الاسلام، وهرب وحديثه مشروح ثم ندم، فكاتب قومه سلوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هل لي توبة، فنزلت الآيات إلى قوله: { إلا الذين تابوا }، فرجع فأسلم.