التفاسير

< >
عرض

أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ
٨٧
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

إن قيل: إذا كان لعن الملائكة والناس أجمعين تابعاً للعن الله، فهلا اقتصر عليه في الذكر؟ قيل الوجه في ذلك ان لا يوهم أن لعنهم لا يجوز إلا لله عز وجل كما لا يجوز أن يعاقبهم إلا الله أو من يأمرهم بذلك. وليس في قوله: { والناس أجمعين } دلالة على أنه يجوز للكافر أن يلعن نفسه، لأن لعنه لنفسه دعاء عليها بالابعاد من رحمة الله. وذلك يوجب رغبته فيما دعا به، ولا يجوز لأحد أن يرغب في أن يعاقبه الله، لأن ذلك ينافي الزجر به والتحذير منه. وأما رغبة المؤمن في أن يعاقب الله الكافر فجائز حسن، لأنه لا ينافي زجره بل هو أبلغ في زجره، فان قيل: لم قال: { والناس أجمعين } ومن وافق الكافر في مذهبه لا يرى لعنه؟ قيل عن ذلك ثلاثة أجوبة:
أحدها - إن له أن يلعنه، وإنما لا يفعله لجهله بأنه يستحق اللعن. ويصح منه معرفة الله، ومعرفة استحقاق اللعن لكل كافر، فحينئذ يعلم أن له أن يلعنه وإنما لا يصح أن يلعن الكافر مع اعتقاده أنه لا يستحق اللعن، لأنه لو صح ذلك لأدى إلى أن يصح أن يلعن نفسه لمشاركته له فيما استحق به اللعن. وقد بينا فساده.
والثاني - أن ذلك في الآخرة، لأن بعضهم يلعن بعضاً. وقد استقرت عليهم لعنة الجميع، وإن كانت على التفريق.
والثالث - أن يحمل لفظ الناس على الخصوص، فيحمل على ثلاثة فصاعداً، فلذلك قال: { أجمعين } وكان يجوز أن يرفع { والملائكة والناس أجمعين } لأن الأول تقديره عليهم أن يلعنهم الله، فيحمل الثاني على معنى الأول، كما قال الشاعر:

هل أنت باعث دينار لحاجتنا أو عبد رب أخا عون بن مخراق

والاتباع أجود ليكون الكلام على نسق واحد، وإنما ذكر وعيد الكفار ها هنا مع كونه مذكوراً في مواضع كثيرة في القرآن، للتأكيد وتغليظاً في الزجر لأنه لما جرى ذكر الكافر عقب ذلك بلعنه، ووعيده، كما إذا جرى ذكر المؤمن عقب ذلك بالرحمة ليكون أرغب له في فعل الطاعة والتمسك بالايمان.