المعنى:
قيل في معنى البر قولان:
أحدهما - البر من الله بالثواب في الجنة. الثاني - البر بفعل الخير الذي يستحقون به الأجر. وقال السدي وعمرو بن ميمون: البر الجنة.
فان قيل: كيف قال { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } والفقير لا يجب عليه الصدقة وينال الجنة، وان لم ينفق؟ قلنا: الكلام خرج مخرج الحث على الصدقة إلا أنه على ما يصح ويجوز من إمكان النفقة، فهو مقيد بذلك في الجملة إلا أنه اطلق الكلام للمبالغة في الترغيب فيه. ويجوز { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } في سبل الخير من الصدقة من وجوه الطاعة. وقال الحسن: هو الزكاة الواجبة وما فرض تعالى في الأموال خاصة. والأولى أن تحمل الآية على الخصوص بأن يقول: هي متوجهة إلى من يجب عليه إخراج شيء أوجبه الله عليه دون من لم يجب عليه، ويكون ذلك أيضاً مشروطاً بأن لا يعفو الله عنه - على مذهبنا في جواز العفو - أو يقول { لن تنالوا البر } الكامل الواقع على أشرف الوجوه { حتى تنفقوا مما تحبون }. وقوله: { فإن الله به عليم } إنما جاء على جهة جواب الشرط وإن كان الله يعلمه على كل حال، لامرين:
أحدهما - لأن فيه معنى الجزاء، فتقديره { وما تنفقوا من شيء فإن الله }
يجازيكم به قل أو كثر، لأنه عليم به لا يخفى عليه شيء منه.
الثاني - فانه يعلمه الله موجوداً على الحد الذي تفعلونه من حسن النية أو قبحها.
اللغة:
والفرق بين البر، والخير: أن البر هو النفع الواصل إلى الغير مع القصد إلى ذلك، والخير يكون خيراً، وان وقع عن سهو. وضد البر العقوق. وضد الخير الشر، فبذلك بين الفرق بينهما.
النظم:
ووجه إتصال هذه الآية بما قبلها أنه تعالى لما ذكر في الآية الاولى { فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به } وصل ذلك بقوله { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } لئلا يؤدي امتناع غناء الفدية إلى الفتور في الصدقة، وما جرى مجراها من وجوه الطاعة.