التفاسير

< >
عرض

لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ
٢٦
وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٢٧
مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
٢٨
أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
٢٩
ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَاطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ
٣٠
-لقمان

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابو عمرو ويعقوب وابن شاهي { والبحر يمده } نصباً. الباقون رفعاً. من نصبه عطفه على { ما } في قوله { أن ما } لأن موضعها نصب بـ { أن } لأن الكلام لم يتم عند قوله { أقلام } فاشبه المعطوف قبل الخبر. قال ابن خالويه: وهذا من حذق ابي عمرو، وجودة تمييزه. وإنما لم يتم الكلام مع الاتيان بالخبر لأن (لو) يحتاج إلى جواب. ومن رفع استأنف الكلام.
اخبر الله تعالى أن له جميع ما في السموات والأرض ملك له يتصرف فيه بحسب إرادته لا يجوز لأحد الاعتراض عليه. ثم اخبر انه تعالى { هو الغني } الذي لا يحتاج إلى شيء من جميع المخلوقات كما يحتاج غيره من الاحياء المخلوقين وأنه { الحميد } مع ذات، يعني المستحق للحمد العظيم، ونقيضه الذميم ويقال (محمود) بمعنى حميد. ومعناه أنه اهل الحمد.
ثم قال تعالى { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر } وفيه حذف، لأن المعنى يكتب به كلام الله { ما نفدت كلمات الله } والآية تقتضي انه ليس لكلمات الله نهاية بالحكم، لانه يقدر منها على ما لا نهاية له. وقال قوم: المعنى ان وجه الحكمة وعجيب الصنعة وإتقانها لا ينفد، وليس المراد به الكلام. وقال ابو عبيدة: المراد بالبحر - ها هنا - العذب، لأن المالح لا ينبت الاقلام. وقال ابن عباس: نزلت الآية جواباً لليهود، لما قالوا قد أوتينا التوراة، وفيها كل الحكمة، فبين الله تعالى أن ما يقدر عليه من الكلمات لا حصر له ولا نهاية. والشجر جمع شجرة مثل تمرة وتمر، وهو كل نبات يقوم على ساق ويورق الاغصان. ومنه اشتقت المشاجرة بين الناس في الأمر. ومنه قوله { في ما شجر بينهم } وشجر تشجيراً وتشاجروا تشاجراً، ومد البحر إذا جرى غيره اليه حالا بعد حال. ومنه المد والجزر. ومد النهر ومده نهر آخر يمده مداً. وقال الفراء: يقولون: أمددتك الفاً فمددت.
{ إن الله عزيز حكيم } معناه عزيز في انتقامه من اعدائه { حكيم } في أفعاله. ثم قال { ما خلقكم } معشر الخلق { ولا بعثكم إلا كنفس واحدة } أي إلا كبعث نفس واحدة أي لا يشق عليه ابتداء جميع الخلق ولا إعادتهم بعد إفنائهم، وأن جميع ذلك من سعة قدرة الله كالنفس الواحدة. إذ المراد أن خلقها لا يشق عليه.
وقوله { إن الله سميع } أي يسمع ما يقول القائلون في ذلك { بصير } بما يضمرونه في قوله { ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة } وفي ذلك تهديد على المخالفة فيه. ثم قال { ألم تر } يا محمد، والمراد به جميع المكلفين { أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل } قال قتادة: معناه ينقص من الليل في النهار، ومن النهار في الليل. وقال غيره: معناه إن كل واحد منهما يتعقب الآخر { وسخر الشمس والقمر كل يجري } لأنهما يجريان على وتيرة واحدة لا يختلفان بحسب ما سخرهما له، كل ذلك يجري { إلى أجل مسمى } قدره الله ان يفنيه فيه. وقال الحسن: الأجل المسمى القيامة { وإن الله } عطف على { ألم تر } فلذلك نصبه، وتقديره: وتعلم { أن الله بما تعملون خبير } من قرأ بالياء - وهو عياش عن أبي عمرو - أراد الاخبار. ومن قرأ بالتاء حمله على الخطاب. وهو الأظهر. والمعنى { أن الله بما تعملون } معشر المكلفين { خبير } أي عالم، فيجازيكم بحسب ذلك ليطابق قوله { ألم تر أن الله يولج الليل في النهار } ثم قال { ذلك بأن الله هو الحق } الذي يجب توجيه العبادة اليه { وأن ما تدعون من دونه الباطل }. ومن قرأ بالياء فعلى الاخبار عنهم. ومن قرأ بالتاء على وجه الخطاب.
يقول الله تعالى: ألم تعلم ان ما يدعون هؤلاء الكفار من الاصنام هو الباطل. ومن قرأ بالياء فعلى: قل لهم يا محمد { وأن الله هو العلي الكبير } فالعلي هو الذي علا على الأشياء واقتدر عليها، والكبير معناه العظيم في صفاته لا يستحق صفاته غيره تعالى. وذكر ابو عبيدة - في كتاب المجاز - ان البحر المذكور في الآية البحر العذب، لأن المالح لا ينبت الاقلام.