التفاسير

< >
عرض

قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ
١١
وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ
١٢
وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ
١٣
فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
١٤
إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ
١٥
-السجدة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله أن يخاطب المكلفين بأن يقول لهم { يتوفاكم ملك الموت } أي يقبض أرواحكم، قال قتادة يتوفاكم ومعه أعوان من الملائكة، والتوفي أخذ الشيء على تمام، قال الراجز:

ان بني أدرد ليسوا من أحد ولا توفاهم قريش في العدد

ومنه قوله { { الله يتوفى الأنفس حين موتها } ويقال: استوفى الدين إذا قبضه على كماله، فملك الموت يتوفى الانسان باخذ روحه على تمام فيعرج بها إلى حيث امره الله تعالى. وقوله { يتوفاكم } يقتضي أن روح الانسان هي الانسان فالاضافة فيها وقعت كما وقعت في نفس الانسان، والملك مشتق من الألوكة وهي الرسالة كما قال الهذلي.

الكني اليها وخير الرسو ل أعلمهم بنواحي الخبر

وقوله { الذي وكل بكم } صفة للملك الذي يتوفى الأنفس، وأن الله قد وكله بمعنى فوض اليه قبض الأرواح. والتوكيل تفويض الأمر إلى غيره للقيام به، وكله توكيلاً، وتوكل عليه توكلاً، ووكله يوكله وكالة.
وقوله { ثم إلى ربكم ترجعون } معناه إنكم إلى جزاء الله من الثواب والعقاب تردون. وانما جعل الرجوع إلى الجزاء رجوعاً اليه تفخيماً للامر. وقيل: معناه تردون إلى ان لا يملك لكم أحد ضراً ولا نفعاً إلا الله تعالى. وفيه تعظيم لهذه الحال. واقتضى الوعيد. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله { ولو ترى } يا محمد { إذ المجرمون } فجواب (لو) محذوف وتقديره: ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم إذا بعثوا، من الندم على تفريطهم في الايمان لرأيتم ما تعتبرون به. والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله والمراد به الأمة { ناكسوا رؤسهم } من الغم. وقيل: من الحياء والخزي مما ارتكبوه من المعاصي { عند ربهم } يعني يوم القيامة الذي يتولى الله تعالى حساب خلقه. وفي الكلام حذف لان تقديره قائلين { ربنا أبصرنا وسمعنا } ومعناه أبصرنا الرشد وسمعنا الحق. وقيل: معناه أبصرنا صدق وعدك وسمعنا تصديق رسلك. وقيل معناه: إنا كنا بمنزلة العمي، فقد أبصرنا، وبمنزلة الصم، فسمعنا { فارجعنا } أي ردنا إلى دار التكليف { نعمل صالحاً } من الطاعات غير الذي كنا نعمل من المعاصي { إنا موقنون } اليوم لا نرتاب بشيء من الحق والرسالة.
ثم قال تعالى مخبراً عن نفسه { ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها } ومعناه الاخبار عن قدرته انه يقدر على إلجائهم إلى الايمان بان يفعل أمراً من الامور يلجئهم إلى الاقرار بتوحيد الله، لكن ذلك يبطل الغرض بالتكليف، لان المقصود استحقاق الثواب، والالجاء لا يثبت معه استحقاق الثواب وقال الجبائي يجوز أن يكون المراد ولو شئنا لأجبناهم إلى ما سألوا ولرددتهم إلى دار التكليف ليعملوا بالطاعات { ولكن حق القول مني } أن اجازيهم بالعقاب، ولا أردهم وقيل: ولو شئنا لهديناهم إلى الجنة { ولكن حق القول مني } أي أخبرت وأوعدت أني { لأملان جهنم من الجنة والناس أجمعين } بكفرهم بالله وجحدهم وحدانيته وكفرانهم نعمه. ثم حكى تعالى ما يقال لمن تقدم ذكره الذين طلبوا الرجوع إلى دار التكليف، فانه يقال لهم يوم القيامة، إذا حصلوا في العذاب { فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا } أي انما فعلتم فعل من نسي لقاء جزاء هذا اليوم، فتركتم ما أمركم الله به وعصيتموه { إنا نسيناكم } أي فعلنا معكم جزاء على ذلك فعل من نسيكم يعني من ثوابه، وترككم من نعيمه. والنسيان الترك. ومنه قوله
{ { ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي } وقال النابغة:

سفود شرب نسوه عند مفتأد

أي تركوه فلم يستعملوه، قال المبرد، لانه لو كان المراد النسيان الذي هو ضد الذكر لجاز أن يكونوا استعملوه { وذوقوا عذاب الخلد } الذي لا فناء له جزاء { بما كنتم تعملون } من المعاصي.
ثم اخبر تعالى عن حال المؤمنين ووصفهم بأن المؤمن على الحقيقة الكامل الايمان بآيات الله وبحججه { هم الذين إذا ذكروا } بحجج الله وتليت عليهم آياته خروا سجداً شكراً على ما هداهم لمعرفته وأنعم عليهم من فنون نعمه ونزهوا الله تعالى عما لا يليق به من الصفات وعن الشرك به حامدين لربهم غير مستكبرين ولا مستنكفين من الطاعة.