التفاسير

< >
عرض

وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
٢١
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ
٢٢
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ
٢٣
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ
٢٤
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقَيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
٢٥
-السجدة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ حمزة والكسائي ورويس { لما صبروا } بكسر اللام والتخفيف أى لصبرهم، الباقون بالتشديد وفتح اللام بمعنى حين صبروا.
اقسم الله تعالى في هذه الآية، لان اللام في قوله { ولنذيقنهم } هي التي يتلقى بها القسم، وكذلك النون الثقيلة، بأنه يذيق هؤلاء الفساق الذين تقدم وصفهم العذاب الادنى بعض ما يستحقونه. وقيل: العذاب الأدنى هو العذاب الأصغر وهو عذاب الدنيا بالقتل والسبي والقحط والفقر والمرض والسقم وما جرى هذا المجرى. وقيل: هو الحدود. وقيل: عذاب القبر. عن جعفر بن محمد عليهما السلام: ان العذاب الادنى هو القحط، والأكبر خروج المهدي بالسيف. والعذاب الاكبر عند المفسرين هو عذاب الآخرة بالنار التي يستفزع الانسان بالآلام وفي الأدنى معنى الأقرب. وقد يكون الأدنى من الاشياء في الحسن، وهو أن يفعل على انه ليس فيه ظلم لاحد إذا فعل للشهوة، والأدنى في القبح ما يفعل وفيه ظلم يسير اتباعاً للشهوة، والاعلى في الحسن هو ما ليس فوقه ما هو اعلى منه يستحق به العبادة. والادنى في العذاب اكبر في الآلام، لان العذاب استمرار الألم، وليس فوق عذاب الكفر عذاب، لأن عذاب الفسق دونه. وقال ابن عباس: وابي بن كعب والحسن: العذاب الأدنى مصائب الدنيا. وقال ابن مسعود: هو القتل يوم بدر. والعذاب الاكبر عذاب الآخرة. وهو قول الحسن ومجاهد وابن زيد وابن مسعود.
وقوله { لعلهم يرجعون } إخبار منه تعالى أنه يفعل بهم ما ذكره من العذاب الأدنى، ليرجعوا عن معاصي الله إلى طاعته ويتوبوا منها. وهو قول عبد الله وابي العالية وقتادة.
ثم قال الله تعالى على وجه التقريع لهم والتبكيت { ومن أظلم } لنفسه بارتكاب المعاصي وإدخالها في استحقاق العقاب { ممن ذكر بآيات ربه } أي ينبه على حججه تعالى التي توصله إلى معرفته ومعرفة ثوابه، { ثم أعرض عنها } جانباً، ولم ينظر فيها. ثم قال { إنا من المجرمين } الذين يفعلون المعاصي بقطع الطاعات وتركها { منتقمون } بأن نعذبهم بعذاب النار.
ثم اخبر تعالى فقال { ولقد آتينا موسى الكتاب } يعني التوراة { فلا تكن في مرية من لقائه } أي في شك من لقائه يعني لقاء موسى ليلة الاسراء بك إلى السماء - على ما ذكره ابن عباس - وقيل: فلا تكن في مرية من لقاء موسى في الآخرة، وقال الزجاج: فلا تكن يا محمد في مرية من لقاء موسى الكتاب. والمرية الشك. وقال الحسن: فلا تكن في شك من لقاء الاذى، كما لقي موسى كأنه قال: فلا تكن في شك من أن تلقى كما لقي موسى { وجعلناه هدى لبني إسرائيل } قال قتادة: وجعلنا موسى هادياً لبني اسرائيل، وضع المصدر في موضع الحال. وقال الحسن: معناه جعلنا الكتاب هادياً لهم { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا } قال قتادة: معناه جعلنا منهم رؤساء في الخير يقتدى بهم يهدون إلى فعل الخير بأمر الله { لما صبروا } قيل: فيه حكاية الجزاء، وتقديره قيل لهم: إن صبرتم جعلناكم أئمة، فلما صبروا جعلوا أئمة - ذكره الزجاج - و { كانوا بآياتنا } أي بحججنا { يوقنون } أي لا يشكون فيه. واليقين وجدان النفس بالثقة على خلاف ما كانت عليه من الاضطراب والحيرة.
ثم قال لنبيه { إن ربك } يا محمد { هو } الذي { يفصل بينهم يوم القيامة } أي يحكم بينهم، يعني بين المؤمن والكافر والفاسق { في ما كانوا فيه يختلفون } في دار الدنيا من التصديق بالله وبرسوله والايمان بالبعث والنشور وغير ذلك.