التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً
٣٦
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً
٣٧
مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً
٣٨
ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ ٱللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً
٣٩
مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً
٤٠
-الأحزاب

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل الكوفة { أن يكون لهم الخيرة } بالياء، لان التأنيث غير حقيقي.
الباقون بالتاء لتأنيث الخيرة. والخيرة جمع خير وحكي خيرة بفتح الياء وسكونها وقرأ عاصم { وخاتم } بفتح التاء. الباقون بكسرها. وهو الأقوى، لأنه مشتق من ختم، فهو خاتم. وقال الحسن: خاتم وهو الذي ختم به الانبياء. وقيل: هما لغتان - فتح التاء وكسرها - وفيه لغة ثالثة (خاتام) وقرئ به في الشواذ. وحكي ايضاً (ختام).
وروي عن ابن عباس، وذهب اليه مجاهد، وقتادة أنه نزل قوله { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة.... } الآية، في زينب بنت جحش، لما خطبها رسول الله صلى الله عليه وآله لزيد بن حارثة فامتنعت لنسبها من قريش وإن زيداً كان عبداً، فأنزل الله الآية فرضيت به. وقال ابن زيد: نزلت في أم كلثوم بنت عقبة ابن ابي معيط، وكانت وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وآله فزوجها زيد بن حارثة. بين الله تعالى في هذه الآية انه لم يكن { لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً } بمعنى إلزاماً وحكما { أن يكون لهم الخيرة } اي ليس لهم ان يتخيروا مع امر الله بشيء يترك به ما امر به إلى ما لم يأذن فيه. والخيرة إرادة اختيار الشيء على غيره. وفي ذلك دلالة على فساد مذهب المجبرة في القضاء والقدر، لأنه لو كان الله تعالى قضى المعاصي لم يكن لأحد الخيرة، ولوجب عليه الوفاء به. ومن خالف في ذلك كان عاصياً، وذلك خلاف الاجماع.
ثم قال { ومن يعص الله ورسوله } في ما قضيا به وامرا به وخالفهما { فقد ضل } عن الحق وخاب عنه { ضلالاً مبيناً } أي ظاهراً.
ثم خاطب النبي صلى الله عليه وآله فقال واذكر يا محمد حين { تقول للذي أنعم الله عليه } يعني بالهداية إلى الايمان { وأنعمت عليه } بالعتق { أمسك عليك زوجك } اي احبسها، ولا تطلقها، لأن زيداً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله مخاصما زوجته زينب بنت جحش على ان يطلقها، فوعظه النبي صلى الله عليه وآله، وقال له: لا تطلقها وامسكها { واتق الله } في مفارقتها { وتخفي في نفسك ما الله مبديه } فالذي اخفى في نفسه انه إن طلقها زيد تزوجها وخشي من إظهار هذا للناس، وكان الله تعالى امره بتزوجها إذا طلقها زيد، فقال الله تعالى له ان تركت إظهار هذا خشية الناس فترك اضماره خشية الله احق وأولى. وقال الحسن: معناه وتخشى عيب الناس. وروي عن عائشة انها قالت لو كتم رسول الله صلى الله عليه وآله شيئاً من الوحي لكتم { وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه } وقيل: إن زيداً لما جاء مخاصماً زوجته، فرآها النبي صلى الله عليه وآله استحسنها وتمنى ان يفارقها زيد حتى يتزوجها، فكتم. قال البلخي: وهذا جائز، لأن هذا التمني هو ما طبع الله عليه البشر، فلا شيء على احد إذا تمنى شيئاً استحسنه. ثم قال تعالى { فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها } فالوطر الارب والحاجة وقضاء الشهوة يقال: لي في هذا وطر، أي حاجة وشهوة، قال الشاعر:

ودعني قبل ان اودعه لما قضى من شبابنا وطرا

وقال آخر:

وكيف ثواي بالمدينة بعد ما قضى وطراً منها جميل بن معمر

وقوله { زوجناكها } يعني لما طلق زيد إمرأته زينب بنت جحش اذن الله تعالى لنبيه في تزويجها، واراد بذلك نسخ ما كان عليه اهل الجاهلية من تحريم زوجة الدعي على ما بيناه، وهو قوله { لكي لا يكون على المؤمنين حرج } اي اثم في أزواج ادعيائهم أن يتزوجوهن { إذا قضوا } الادعياء { منهن وطراً } وفارقوهن، فبين الله تعالى ان الغرض بهذا ان لا يكون المتبنى به إذا طلق المرأة يجري مجرى تحريم إمراة الابن إذا طلقت او مات عنها الابن. وقوله { وكان أمر الله مفعولاً } معناه وكان تزويج النبي صلى الله عليه وآله زينب بنت جحش كائناً لا محالة.
واستدل بقوله { وكان أمر الله مفعولاً } على حدوث كلام الله، لأن الله تعالى قص كلامه. وقد بين أنه مفعول، والمفعول والمحدث واحد. ثم قال تعالى { ما كان على النبي من حرج في ما فرض الله له } أي لم يكن عليه إثم في ما قدره الله أن يتزوج زينب بنت جحش التي كانت زوجة زيد، وإن كان دعياً له، وفي جمعه بين التسع. وقال { سنة الله في الذين خلوا من قبل } أي ما أمرنا به محمداً من هذه السنن والعادات مثل سنة من تقدم من الانبياء، وما أمرهم الله تعالى به. لأنه تعالى أباح لكل نبي شيئاً خصه به ورفع به شأنه من بين سائر الامم { وكان أمر الله قدراً مقدوراً } فالقدر المقدور هو ما كان على مقدار ما تقدم من غير زيادة ولا نقصان، قال الشاعر:

واعلم بان ذا الجلال قد قدر في الصحف الاولى التي كان سطر

وقوله { الذين يبلغون رسالات الله } ولا يكتمونها بل يؤدونها إلى من بعثوا اليهم { ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله } أي لا يخافون سوى الله احداً وقوله { وكفى بالله حسيباً } أي كافياً ومجازياً. ثم قال { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } نزلت في زيد بن حارثة لأنهم كانوا يسمونه: زيد بن محمد، فبين الله تعالى ان النبي ليس بـ (أب احد) منهم من الرجال وإنما هو ابو القاسم والطيب والمطهر وإبراهيم، وكلهم درجوا في الصغر. ذكره قتادة. ثم قال { ولكن } كان { رسول الله } ونصب باضمار { كان } وتقديره ولكن كان رسول الله صلى الله عليه وآله، وروى عبد الوارث عن ابي عمرو { ولكن } بالتشديد { رسول الله } نصب بـ { لكن } { وخاتم النبيين } أي آخرهم، لأنه لا نبي بعده إلى يوم القيامة { وكان الله بكل شيء عليماً } أي عالماً لا يخفى عليه شيء مما يصلح العباد. وقيل إنما ذكر { وخاتم النبيين } ها هنا، لان المعنى أن من لا يصلح بهذا النبي الذي هو آخر الانبياء، فهو مأيوس من صلاحه من حيث انه ليس بعده نبي يصلح به الخلق. ومن استدل بهذه الآية، وهي قوله { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } على انه لم يكن الحسن والحسين عليهما السلام ابنيه، فقد أبعد، لان الحسن والحسين كانا طفلين، كما انه كان أبا إبراهيم وإنما بقي أن لا يكون أباً للرجال البالغين.