التفاسير

< >
عرض

ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلآخِرَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ
١
يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلْغَفُورُ
٢
وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا ٱلسَّاعَةُ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ
٣
لِّيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
٤
وَٱلَّذِينَ سَعَوْا فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ
٥
-سبأ

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ حمزة والكسائي { علام الغيب } بتشديد اللام وألف بعدها وخفض الميم. وقرأه اهل المدينة وابن عامر ورويس بألف قبل اللام وتخفيف اللام وكسرها ورفع الميم. الباقون كذلك إلا أنهم خفضوا الميم، وهم ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وخلف وروح. وقرأ ابن كثير وحفص ويعقوب { من رجز أليم } برفع الميم - ها هنا - وفي الجاثية، و { معجزين } قد مضى ذكره، وقرأ الكسائي وحده { يعزب } بكسر الزاي. الباقون بضمها. و { الحمد } رفع بالابتداء و { لله } خبره.
والحمد هو الشكر، والشكر هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم. والحمد هو الوصف بالجميل على جهة التعظيم، ونقيضه الذم، وهو الوصف بالقبيح على جهة التحقير، ولا يستحق الحمد إلا على الاحسان، فلما كان احسان الله لا يوازيه احسان احد من المخلوقين، فكذلك لا يستحق الحمد احد من المخلوقين مثل ما يستحقه، وكذلك يبلغ شكره إلى حد العبادة ولا يستحق العبادة سوى الله تعالى، وإن استحق بعضنا على بعض الشكر والحمد.
ومعنى قوله { الحمد لله } أي قولوا { الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض } معناه الذي يملك التصرف في جميع ما في السموات، وجميع ما في الأرض، وليس لاحد منعه منه ولا الاعتراض عليه { وله الحمد } في الأولى يعني بما أنعم عليه من فنون الاحسان و { في الآخرة } بما يفعل بهم من الثواب والعوض وضروب التفضل في الآخرة، والآخرة وإن كانت ليست دار تكليف فلا يسقط فيها الحمد والاعتراف بنعم الله تعالى، بل العباد ملجأون إلى فعل ذلك لمعرفتهم الضرورية بنعم الله تعالى عليهم وما يفعل من العقاب بالمستحقين فيه أيضاً إحسان لما للمكلفين به في دار الدنيا من الالطاف والزجر عن المعاصي ويفعل الله العقاب بهم لكونه مستحقاً على معاصيه في دار الدنيا، ومن حمد أهل الجنة قولهم: الحمد لله الذي صدقنا وعده. وقولهم: الحمد لله الذي هدانا لهذا. وقيل: إنما يحمده أهل الآخرة من غير تكليف على وجه السرور به { وهو الحكيم } في جميع أفعاله، لأنها كلها واقعة موقع الحكمة { الخبير } العالم بجميع المعلومات. ثم وصف نفسه بأنه { يعلم ما يلج في الأرض } من سائر انواع الاشياء { وما يخرج منها } كذلك. وقال الحسن: معناه يعلم ما يلج في الأرض من المطر، وما يخرج منها من النبات، والولوج الدخول، ولج يلج ولوجاً، قال الشاعر:

رأيت القوافي يلجن موالجا تضايق عنه ان تولجه الابر

ومعنى { ما ينزل من السماء } قال الحسن: يعني من الماء { وما يعرج فيها } من ملك فهو يجري جميع ذلك على تدبير عالم به وتوجبه المصلحة فيه.
ثم حكى عن الكفار أنهم يقولون { لا تأتينا الساعة } يعني القيامة تكذيباً للنبي صلى الله عليه وآله في ذلك فـ { قل } لهم يا محمد { بلى } تأتيكم { و } حق الله { ربي } الذي خلقني وأخرجني من العدم إلى الوجود { لتأتينكم } الساعة { عالم الغيب } من جر { عالم } جعله صفة لقوله { وربي } وهو في موضع جر بواو القسم. ومن رفعه، فعلى انه خبر ابتداء محذوف، وتقديره هو عالم الغيب. ومن قرأ { علام } أراد المبالغة في وصفه بأنه عالم الغيب، والغيب كل شيء غاب عن العباد علمه { لا يعزب عنه } أي لا يفوته { مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض } بل هو عالم بجميع ذلك، يقال: عزب عنه الشيء يعزب ويعزب لغتان، في المضارع { ولا أصغر من ذلك ولا أكبر } أي ولا يعزب عنه علم ما هو اصغر من مثقال ذرة، ولا علم ما هو اكبر منه { إلا في كتاب مبين } يعني اللوح المحفوظ الذي أثبت الله تعالى فيه جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة ليطلع عليه ملائكته، فيكون لطفاً لهم، ويكون للمكلفين أيضاً في الاخبار عنه لطف لهم.
ثم بين أنه إنما أثبت ذلك في الكتاب المبين { ليجزي } على ذلك { الذين آمنوا وعملوا الصالحات } بنعيم الجنة وهو قوله { أولئك لهم مغفرة } لذنوبهم وستر لها، ولهم مع ذلك { رزق كريم } قال قتادة: الرزق الكريم الجنة. وقال غيره: هو الهنيء الذي ليس فيه تنغيص، ولا تكدير. ثم بين أن الذين يسعون في آيات الله وحججه { معاجزين } له أي متعاونين مجاهدين في ابطال آياته { أولئك لهم عذاب } على ذلك { من رجز أليم } فمن جر { أليم } جعله صفة { رجز } والرجز هو الرجس، وقال قوم: هو سيء العذاب وقال آخرون: هو العذاب. والرجز بضم الراء الصنم ومنه قوله
{ والرجز فاهجر } وقال ابو عبيدة { معاجزين } بمعنى سابقين و { معجزين } معناه مثبطين - في قول الزجاج.