التفاسير

< >
عرض

وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ
١١
وَمَا يَسْتَوِي ٱلْبَحْرَانِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
١٢
يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ
١٣
إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ
١٤
يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ
١٥
إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ
١٦
وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ
١٧
-فاطر

التبيان الجامع لعلوم القرآن

ست آيات بصرى وسبع في ما عداه عدوا { بخلق جديد } ولم يعده البصريون.
قرأ يعقوب ولا { ينقص من عمره } بفتح الياء وضم القاف. الباقون على ما لم يسم فاعله. وقرأ قتيبة { والذين تدعون } بالتاء على الخطاب. الباقون بالياء على الخبر.
هذا خطاب من الله سبحانه لجميع خلقه من البشر انه خلقهم من تراب، ويريد ان آدم الذى هو ابوهم ومنه انتسلوا خلقه من تراب ومنه توالدوا. وقيل: إن المراد به جميع الخلق، لانهم إذا خلقهم من نطفة والنطفة تستحيل من الغذاء، والغذاء يستحيل من التراب، فكأنه خلقهم من تراب، ثم جعل التراب نطفة بتدريج. وعلى الأول يكون قوله { ثم من نطفة } معناه ثم خلق اولاد آدم من نطفة ثم استثنا منه عيسى في قوله
{ { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب } فقوله { ثم جعلكم أزواجاً } أي اشكالا لان الزوج هو الذى معه آخر من شكله، والاثنان زوجان { وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه } معناه ليس تحمل الانثى من حمل يولد ولا تضعه لتمام ولغير تمام إلا والله تعالى عالم به، لا أن علمه آلة في ذلك، ولا يدل ذلك على أن له علماً يعلم به، لأن المراد ما ذكرناه من انه لا يحصل شيء من ذلك إلا وهو عالم به.
وقوله { وما يعمر من معمر } والعمر مدة الأجل للحياة وهو تفضل من الله سبحانه وتعالى يختلف مقداره بحسب ما يعلم من مصالح خلقه، كما يختلف الغنى والفقر، والقوة والضعف، والمعنى: وليس يطول عمر احد ولا ينقص من عمره بأن يذهب بعضه بمضي الليل والنهار إلا وذلك في الكتاب المحفوظ أثبته الله تعالى قبل كونه. وقال الحسن والضحاك وابن زيد: معنى { ولا ينقص من عمره } أي من عمر معمر آخر، وقال ابو مالك: معناه ولا ينقص من عمره ينقضي ما ينقضي منه. وقال الفراء: هو كقولك: عندي درهم ونصفه أي ومثل نصف الدرهم من غيره.
ثم قال { إن ذلك على الله يسير } يعني تعمير من يعمره ونقصان من ينقصه وإثبات ذلك في الكتاب سهل على الله غير متعذر.
ثم قال تعالى { وما يستوي البحران } أي لا يستويان لان { هذا عذب فرات سائغ شرابه } اي مرئ شهي { وهذا } الآخر { ملح أجاج } فالفرات أعذب العذب والاجاج أشد المر. والاجاج مشتق من أججت النار كأنه يحرق من مرارته. و
{ { اللؤلؤ والمرجان } يخرج من الملح دون العذب. وقيل: في الملح عيون عذبة، وفي ما بينهما يخرج اللؤلؤ.
ثم قال { ومن كل } يعني من البحرين العذب والاجاج { تأكلون لحماً طرياً } يعني سمكا { وتستخرجون حلية تلبسونها } من اللؤلؤ والمرجان { وترى الفلك } يعني السفن { فيه مواخر } اي تشق الماء في جريانها شقاً. وقيل: معناه إنها تذهب وتجيء، بلغة قريش وهذيل. وقال الحسن: يعني مواقير كقوله
{ { الفلك المشحون } { لتبتغوا من فضله } معناه إنه تعالى خلق ذلك لخلقه ليلتمسوا من فضل الله بركوب البحر للتجارة والمسير فيها طلباً للمنافع وما يخرجون منها من انواع الاشياء لكي يشكروا الله على نعمه ويحمدوه على فضله
ثم قال { يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل } معناه انه ينقص من الليل في النهار عند منقلب الصيف، ومن النهار في الليل عند منقلب الشتاء. وقيل: معناه انه يدخل كل واحد منهما على صاحبه ويتعقبه { وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى } قدره الله لهما بحسب ما علم من مصالح خلقه إلى الوقت الذي يفنيهما الله فيه. فتسخير الشمس نزولها في بروج مخصوصة في أوقات مخصوصة كل فصل منها لنوع آخر من المنافع لا يختلف الحال فيه، وتسخير القمر جريانه على وتيرة واحدة، فيستدل به على السنين والشهور وذلك يدل على أن مدبره عالم حكيم.
ثم قال { ذلكم الله ربكم } الذي يقدر على تسخير الشمس والقمر، وايلاج الليل في النهار والنهار في الليل وخلق البحرين العذب والمالح، ومنع احدهما أن يختلط بالآخر لا يقدر عليه غيره { والذين يدعون من دونه } وتوجهون عبادتكم اليهم من الاصنام والاوثان { ما يملكون من قطير } وهو قشر النواة - في قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وعطية - فدل على أن من لا يملك هذا القدر لا يستحق العبادة ولا يكون إلهاً.
ثم قال { إن تدعوهم } يعني الاصنام { لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم } لانها جمادات يستحيل ذلك عليها، ولا يقدرون على ضرر ولا نفع { ويوم القيامة يكفرون بشرككم } قيل: إن الله تعالى يحيي الاصنام يوم القيامة لينكروا على المشركين، ويوبخوهم على عبادتهم إياهم. وقال البلخي: يجوز ان يكون المراد به الملائكة وعيسى. وقوله { لا يسمعوا دعاءكم } أي هم بحيث لا يسمعونه او هم مشتغلون عنهم لا يلتفتون اليهم ولا يصغون ويجوز ان يكون المراد بها الاصنام ويكون ما يظهرونه من بطلان ما ظنوه كفراً بشركهم وجحداً له كما حصل ما في الجماد من الدلالة على الله مسبحاً له وهو كقولهم: سل الارض من شق أنهارك وغرس أشجارك وجنى ثمارك، فان لم تجبك حواراً اجابتك عتباراً { ولا ينبئك } يا محمد بالشيء على حقيقته { مثل خبير } عالم بما اخبر، والله تعالى هو العالم بالاشياء على حقائقها.
ثم قال تعالى { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله } اي محتاجون اليه { والله هو الغني } عن جميع المخلوقات لا تجوز عليه الحاجة، لأنه ليس بجسم فالحاجة من صفة الاجسام { الحميد } يعني المحمود المستحق للحمد على جميع افعاله، والله تعالى لا يفعل إلا ما يستحق به حمداً.
ثم اخبر تعالى عن قدرته فقال { إن يشأ يذهبكم } معاشر الخلق ويفنيكم { ويأت بخلق } آخر { جديد } وهو ما كان قريب عهد بانقطاع العمل عنه، واصله القطع من جده يجده إذا قطعه. والجد ابو الأب لانقطاعه عن الولادة بالأب والجد المضي فيه بقطعه أولا اولا من غير تفتير { وما ذلك على الله بعزيز } أي بممتنع فالعزيز المنيع بوجه من الوجوه الذي يتعذر معها الفعل.