التفاسير

< >
عرض

سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ
٣٦
وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ
٣٧
وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ
٣٨
وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ
٣٩
لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
٤٠
-يس

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو وروح { والقمر قدرناه } رفعاً على الاستئناف لأن الفعل مشغول بالضمير العائد إلى القمر. وقال ابو علي: الأجود أن يكون رفعاً على تقدير وآية لهم القمر قدرناه، لأنه اشبه بالجمل قبلها. ومن رفعه بالابتداء جعل (لهم) صفة للنكرة والخبر مضمر، وتقديره { وآية لهم } في المشاهدة او الوجود، ويكون قوله { الليل نسلخ منه النهار } تفسير للآية. الباقون بالنصب بتقدير فعل مضمر، ما بعده تفسيره، وتقديره: وقدرنا القمر قدرناه.
يقول الله تعالى منزهاً نفسه ومعظماً لها ودالا بأنه هو الذي يستحق الحمد بما نبه بقوله { سبحان الذي } أي تنزيهاً للذي { خلق الأزواج كلها } أي تعظيماً وتبجيلا له بجميع ما خلق من الازواج، وهي الاشكال، والحيوان على مشاكلة الذكر للانثى، وكذلك النخل والحبوب اشكال، والتين والكرم ونحوه اشكال، فلذلك قال { مما تنبت الأرض } يعني من سائر النبات { ومن أنفسهم } من الذكر والانثى { ومما لا يعلمون } مما لم يشاهدوه ولم يصل خبره اليهم.
ثم قال { وآية لهم } يعني دلالة وحجة على صحة ذلك { الليل نسلخ منه النهار } أي نخرج منه النهار { فإذا هم مظلمون } أي داخلون في الظلمة لا ضياء لهم فيه بالشمس، فالسلخ إخراج الشيء من لباسه، ومنه إخراج الحيوان من جلده، يقال سلخ يسلخ سلخاً فهو سالخ، ومنه قوله
{ { فانسلخ منها } أي فخرج منها خروج الشيء مما لابسه، ثم قال { والشمس تجري لمستقر لها } آية اخرى. وقيل في معنى المستقر ثلاثة اقوال:
احدها - لانتهاء أمرها عند انقضاء الدنيا.
الثاني - قال قتادة: لوقت واحد لها لا تعدوه ولا تختلف.
الثالث - إلى ابعد منازلها في الغروب. وقال المبرد معنى { لمستقر لها } أي إلى. ومن قال الشمس لا تستقر بل تتحرك أبداً قال معنى { لمستقر لها } أنها كلما انتهت إلى منقلب الصيف عادت في الرجوع وإذا بلغت منقلب الشتاء عادت إلى الصعود. ثم قال { ذلك تقدير العزيز العليم } أي من قدر الشمس على ذلك إلا القادر الذي لا يضام، العالم بما يفعله؟، ثم قال { والقمر قدرناه } فمن رفع عطف على قوله { والشمس تجري } ومن نصب قدر له فعلا يفسره وقوله { قدرناه منازل } كل يوم ينزل منزلا غير المنزل الأول لا يختلف حاله إلى ان يقطع الفلك { حتى عاد كالعرجون القديم } فالعرجون العذق الذي فيه الشماريخ، فاذا تقادم عهده يبس وتقوس، فشبه به. وقال الفراء: العرجون ما بين الشماريخ إلى المنابت في النخلة من العذق، والقديم الذي اشرف على حول. وقوله { لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر } حتى يكون نقصان ضوئها كنقصان القمر، وقال ابو صالح: معناه لا يدرك احدهما ضوء الآخر، وقيل معناه: { لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر } في سرعة سيره { ولا الليل سابق النهار } اي ولا يسبق الليل النهار. وقيل: إن احدهما لا يذهب إلى معنى الآخر وكل له مقادير قدرها الله عليه. ثم قال { وكل في فلك يسبحون } يعني الشمس والقمر والكواكب يسبحون في الفلك. وإنما جمعها بالواو والنون لها أضاف اليها افعال الآدميين. وقيل: الفلك مواضع النجوم من الهواء الذي يجري فيه. ومعنى يسبحون يسيرون فيه بانبساط، وكل ما انبسط في شيء فقد سبح فيه، ومنه السباحة في الماء.