التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ
٧١
وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ
٧٢
وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ
٧٣
وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ
٧٤
لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ
٧٥
-يس

التبيان الجامع لعلوم القرآن

يقول الله تعالى منبهاً لخلقه على الاستدلال على معرفته { أولم يروا } ومعناه او لم يعلموا { أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا انعاماً } ومعناه إنا عملناه من غير أن نكله إلى غيرنا، فهو بمنزلة ما يعمله العباد بأيديهم في انهم تولوا فعله ولم يكلوه إلى غيرهم، وتقديره انا تولينا خلق الانعام لهم بأنفسنا. والأنعام جمع النعم، وهي الأبل والبقر والغنم { فهم لها مالكون } معناه. لو لم يخلق ذلك لما صح ملكهم لها، وكذلك سائر أملاك العباد بهذه الصفة فهو المنعم على عباده بكل ما ملكوه، وبحسب ما ينتفعون به يكون حاله حال المنعم. واليد في اللغة على أربعة أقسام: احدهما - الجارحة. والثاني - النعمة. والثالث - القوة. والرابع - بمعنى تحقيق الاضافة. تقول: له عندي يد بيضاء أي نعمة، وتلقى قولي باليدين أي بالقوة والتقبل، وقول الشاعر:

دعوت لما نابني مسوراً فلبى فلبى يدي مسور

فهذا بمعنى تحقيق الاضافة. وتقول هذا ما جنت يدك، وما كسبت يدك أي ما كسبت أنت.
وقوله { وذللناها لهم } فتذليل الانعام تسخيرها بالانقياد ورفع النفور لان الوحشي من الحيوان نفور، والانسي مذلل بما جعله الله فيه من الانس والسكون، ورفع عنه من الاستيحاش والنفور. وقوله { فمنها ركوبهم ومنها يأكلون } قسمة الانعام، فان الله تعالى جعل منها ما يركب ومنها ما يذبح وينتفع بلحمه ويؤكل، فالركوب - بفتح الراء - صفة. يقال: دابة ركوب أي تصلح للركوب، والركوب - بضم الراء - مصدر ركبت. وقرأت عائشة { فمنها ركوبتهم } مثل الحلوبة. وقوله { ولهم فيها منافع ومشارب } فمن منافعها لبس اصوافها وشرب ألبانها واكل لحومها وركوب ظهورها إلى غير ذلك من انواع المنافع الكثيرة فيها. ثم قال { أفلا تشكرون } الله على هذه النعم المختلفة المتقنة.
ثم اخبر عن حال الكفار فقال { واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون } يعبدونها لكي ينصروهم. ثم قال تعالى { فلا يستطيعون نصرهم } يعني هذه الآلهة التي اتخذوها وعبدوها لا تقدر على نصرهم والدفع عنهم ما ينزل بهم من عذاب الله { وهم لهم جند محضرون } ومعناه إن هذه الآلهة معهم في النار محضرون، لأن كل حزب مع ما عبد من الأوثان في النار، كما قال { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } إلا من استثناه بقوله
{ { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون } فاما الاصنام فان الله تعالى يجعلها مع من عبدها في النار، فلا الجند يدفعون عنها الاحراق بالنار ولا هم يدفع عنهم العذاب. وقال قتادة: يعني وهم لهم جند محضرون أي وهم يغضبون للاوثان في الدنيا.