التفاسير

< >
عرض

فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ
١١
بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ
١٢
وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ
١٣
وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ
١٤
وَقَالُوۤاْ إِن هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ
١٥
أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ
١٦
أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ
١٧
قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ
١٨
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ
١٩
وَقَالُواْ يٰوَيْلَنَا هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدِّينِ
٢٠
-الصافات

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل الكوفة إلا عاصما { بل عجبت } بضم التاء. الباقون بفتحها. قال ابو علي: من فتح التاء أراد: بل عجبت يا محمد من إنكارهم البعث او من نزول الوحي على قلبك وهم يسخرون، ومن ضم قال: معناه إن إنكار البعث مع بيان القدرة على الابتداء وظهور ذلك من غير استدلال عجيب عندك. وقال قوم: إن ذلك اخبار من الله عن نفسه بأنه عجيب، وذلك كما قال { وإن تعجب فعجب قولهم }. وهذا غير صحيح، لان الله تعالى عالم بالاشياء كلها على تفاصيلها، وإنما يعجب من خفي عليه اسباب الاشياء، وقوله { فعجب قولهم } معناه عندكم. وقرأ ابن عامر { إذا } على الخبر. الباقون على الاستفهام على أصولهم في التحقيق والتخفيف والفصل وقرأ { إنا } على الخبر اهل المدينة والكسائي ويعقوب. وقرأ الباقون بهمزتين على أصولهم في التحقيق والتليين والفصل. وقرأ اهل المدينة وابن عامر { أو آباؤنا } بسكون الواو - هنا وفي الواقعة - إلا أن ورشاً على اصله في إلقاء حركة الهمزة على الواو. الباقون بفتح الواو.
وهذا خطاب من الله تعالى لنبيه يأمره بأن يستفتي هؤلاء الكفار وهو أن يسألهم أن يحكموا بما تقتضيه عقولهم، ويعدلوا عن الهوى واتباعه، فالاستفتاء طلب الحكم { أهم أشد خلقاً أم من خلقنا } يعني من قبلهم من الامم الماضية والقرون الخالية، فانه تعالى قد أهلك الأمم الماضية الذين هم اشد خلقاً منهم لكفرهم، ولهم مثل ذلك إن أقاموا على الكفر. وقيل: المعنى أهم اشد خلقاً منهم بكفرهم، وهم مثل ذلك أم من خلقنا من الملائكة والسموات والارضين، فقال: أم من خلقنا، لأن الملائكة تعقل، فغلب ذلك على ما لا يعقل من السموات، والشدة قوة الفتل وهو بخلاف القدرة والقوة. وكل شدة قوة، وليس كل قوة شدة، واشد خلقاً ما كان فيه قوة يمنع بها فتله إلى المراد به.
ثم اخبر تعالى انه خلقهم من طين لازب. والمراد انه خلق آدم من طين، وإن هؤلاء نسله وذريته، فكأنهم خلقوا من طين، ومعنى { لازب } لازم فأبدلت الميم باء، لأنها من مخرجها، يقولون: طين لازب وطين لازم قال النابغة:

ولا يحسبون الخير لا شر بعده ولا يحسبون الشر ضربة لازب

وبعض بني عقيل يبدلون من الزاي تاء. فيقولون: لاتب، ويقولون: لزب، ولتب، ويقال: لزب يلزب لزوباً. وقال ابن عباس: اللازب الملتصق من الطين الحر الجيد. وقال قتادة: هو الذي يلزق باليد. وقال مجاهد: معناه لازق: وقيل: معناه من طين علك خلق آدم منه ونسب ولده اليه. وقوله { بل عجبت ويسخرون } فمن ضم التاء اراد أن النبي صلى الله عليه وآله أمره الله أن يخبر عن نفسه انه عجب من هذا القرآن حين أعطيه، وسخر منه أهل الضلالة. قال المبرد: وتقديره قل بل عجبت. ومن فتح التاء أراد ان الله تعالى خاطبه بذلك. والعجب تغير النفس بما خفي فيه السبب في: ما لم تجر به العادة، يقال: عجب يعجب عجباً وتعجب تعجباً. والمعنى في الضم على ما روي عن علي عليه السلام وابن مسعود ليس على انه بعجيب كما يعجب، لأن الله تعالى عالم بالاشياء على حقائقها، وإنما المعنى انه يجازي على العجب كما قال { فيسخرون منهم سخر الله منهم } } { { ومكروا ومكر الله } ويجوز أن يكون المعنى قد حلوا محل من يعجب منهم. والفتح على عجب النبي صلى الله عليه وآله { ويسخرون } معناه يهزؤن بدعائك إياهم إلى الله. والنظر في دلائله وآياته. { وإذا ذكروا } بآيات الله وحججه وخوفوا بها { لا يذكرون } أي لا يتفكرون، ولا ينتفعون بها { وإذا رأوا آية } من آيات الله تعالى { يستسخرون } أي يسخرون وهما لغتان. وقيل: معناه يطلب بعضهم من بعض أن يسخروا ويهزؤا بآيات الله، فيقولون ليس هذا الذي تدعونا اليه من القرآن وتدعيه أنه من عند الله { إلا سحر مبين } أي ظاهر بين.
وحكى انهم يقولون ايضاً { آئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون } بعد ذلك ومحشورون ومجازون؟! { أو آباؤنا الأولون } الذين تقدمونا بهاه الصفة، واللفظ لفظ الاستفهام والمراد بذلك التهزّي والاستبعاد لأن يكون هذا حقيقة وصحيحاً. فمن فتح الواو فلأنها واو العطف دخل عليها ألف الاستفهام، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله { قل } لهم { نعم } الامر على ذلك، فانكم تحشرون وتسألون وتجازون على اعمالكم من الطاعات بالجنة والثواب، وعلى المعاصي بالنار والعقاب فيها { وأنتم داخرون } أي صاغرون أذلاء - وهو قول الحسن وقتادة والسدي - وقيل: الداخر الصاغر الذليل اشد الصغر والصاغر الذليل لصغر قدره.
ثم قال ايضاً وقل لهم { فإنما هي زجرة واحدة } فقال الحسن: يعني النفخة الثانية. والزجرة الصرفة عن الشيء بالمخافة، فكأنهم زجروا عن الحال التي هم عليها إلى المصير إلى الموقف للجزاء والحساب { فإذا هم ينظرون } أي يشاهدون ذلك ويرونه. وقيل: معناه فاذا هم أحياء ينتظرون ما ينزل بهم من عذاب الله وعقابه، ويقولون معترفين على نفوسهم بالعصيان { يا ويلنا هذا يوم الدين } اي يوم الجزاء والحساب. و (الويل) كلمة يقولها القائل إذا وقع في الهلكة، ومثله يا ويلتى، ويا حسرتى، ويا عجبا. وقال الزجاج: والمعنى في جميع ذلك ان هذه الأشياء حسن نداؤها على وجه التنبيه والتعظيم على عظم الحال، والمعني يا عجب اقبل ويا حسرة اقبلي فانه من اوانك واوقاتك، ومثله قوله
{ { يا ويلتى أألد وأنا عجوز } وقوله { { يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله } }.