التفاسير

< >
عرض

هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
٢١
ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ
٢٢
مِن دُونِ ٱللَّهِ فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ
٢٣
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ
٢٤
مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ
٢٥
بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ
٢٦
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ
٢٧
قَالُوۤاْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ
٢٨
قَالُواْ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ
٢٩
وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ
٣٠
-الصافات

التبيان الجامع لعلوم القرآن

عشر آيات في الكوفي والمدنيين عدوا قوله { وما كانوا يعبدون } رأس آية. والبصريون لم يعدوها، فهي عندهم تسع آيات.
لما اخبر الله تعالى عن الكفار انهم إذا حشروا وشاهدوا القيامة وقالوا { يا ويلنا هذا يوم الدين } يعني الجزاء حكى ما يقول الله لهم فانه تعالى يقول لهم { هذا يوم الفصل } بين الخلائق والحكم وتميز الحق من الباطل على وجه يظهر لجميعهم الحال فيه. وانه تعالى يدخل المطيعين الجنة على وجه الاكرام والاعظام، ويدخل العصاة النار على وجه الاهانة والاذلال { هذا هو يوم الفصل } وهو اليوم { الذي كنتم } معاشر الكفار { به تكذبون } وتجحدونه وتقابلون من اخبر عنه بالتكذيب وتنسبونه إلى ضد الصدق.
ثم حكى ما يقول الله للملائكة المتولين لسوق الكفار إلى النار، فانه يقول لهم { احشروا الذين ظلموا } انفسهم بارتكاب المعاصي بمعنى اجمعوهم من كل جهة، فالكفار يحشرون من قبورهم إلى أرض الموقف للجزاء والحساب، ثم يساق الظالمون مع ما كانوا يعبدون من الأوثان والطواغيت إلى النار وكذلك أزواجهم الذين كانوا على مثل حالهم من الكفر والضلال وقال ابن عباس ومجاهد وابن زيد: معنى { وأزواجهم } اشباههم، وهو من قوله
{ { وكنتم أزواجاً ثلاثة } أي اشكالا واشباها. وقال قتادة: معناه وأشياعهم من الكفار. وقيل: من الاتباع. وقال الحسن: يعني { وأزواجهم } المشركات. وقيل: اتباعهم على الكفر من نسائهم.
وقوله { فاهدوهم إلى صراط الجحيم } إنما عبر عن ذلك بالهداية من حيث كان بدلا من الهداية إلى الجنة، كما قال
{ { فبشرهم بعذاب أليم } لهذه العلة من حيث ان البشارة بالعذاب الأليم وقعت لهم بدلا من البشارة بالنعيم، يقال: هديته الطريق أي دللته عليها وأهديت الهدية.
ثم حكى الله تعالى ما يقوله للملائكة الموكلين بهم فانه يقول لهم { وقفوهم } أي قفوا هؤلاء الكفار أي احبسوهم { إنهم مسؤلون } عما كلفهم الله في الدنيا من عمل الطاعات واجتناب المعاصي هل فعلوا ما أمروا به أم لا؟ على وجه التقرير لهم والتبكيت دون الاستعلام، يقال: وقفت انا ووقفت الدابة بغير الف. وبعض بني تميم يقولون: اوقفت الدابة والدار. وزعم الكسائي انه سمع ما اوقفك ها هنا، وانشد الفراء:

ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا وإن نحن اومأنا إلى الناس اوقفوا

بالف. ويقال لهم ايضاً على وجه التبكيت { ما لكم } معاشر الكفار { لا تناصرون } بمعنى لا تتناصرون، ولذلك شدد بعضهم التاء، ومن لم يشدد حذف إحداهما، والمعنى لم لا يدفع بعضكم عن بعض ان قدرتم عليه.
ثم قال تعالى انهم لا يقدرون على التناصر والتدافع لكن { هم اليوم مستسلمون } ومعنا مسترسلون مستحدثون يقال: استسلم استسلاماً إذا القي بيده غير منازع في ما يراد منه. وقيل: معناه مسترسلون لما لا يستطيعون له دفعاً ولا منه امتناعاً.
وقوله { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } اخبار منه تعالى إن كل واحد من الكفار يقبل على صاحبه الذي اغواه على وجه التأنيب والتضعيف له يسأله لم غررتني؟ ويقول ذاك لم قبلت مني.
وقوله { قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين } حكاية ما يقول الكفار لمن قبلوا منهم إنكم: كنتم تأتوننا من جهة النصيحة واليمن والبركة، فلذلك اغتررنا بكم والعرب تتيمن بما جاء من جهة اليمين. وقال الفراء: معناه إنكم كنتم تأتوننا من قبل اليمين، فتخدعوننا من اقوى الوجوه. واليمين القوة ومنه قوله
{ { فراغ عليهم ضرباً باليمين } أي بالقوة ثم حكى ما يقول اولئك لهم في جواب ذلك: ليس الأمر على ما قلتم بل لم تكونوا مصدقين بالله ولم يكن لنا عليكم في ترك الحق من سلطان ولا قدرة فلا تسقطوا اللوم عن أنفسكم فانه لازم لكم ولا حق بكم. وقال قتادة: أقبل الأنس على الجن يتساءلون بأن كنتم أنتم معاشر الكفار قوماً طاغين أي باغين، تجاوزتم الحد إلى افحش الظلم، واصله تجاوز الحد في العظم ومنه قوله { { إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية } وطغيانهم كفرهم بالله، لأنهم تجاوزوا في ذلك الحد إلى أعظم المعاصي، وقال الزجاج: معنى لا تناصرون ما لكم غير متناصرين فهو نصب بانه حال.