التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ ٱلأَوَّلِينَ
٧١
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ
٧٢
فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنذَرِينَ
٧٣
إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ
٧٤
وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ
٧٥
وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ
٧٦
وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ
٧٧
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ
٧٨
سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ
٧٩
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
٨٠
-الصافات

التبيان الجامع لعلوم القرآن

اقسم الله تعالى انه { لقد ضل قبلهم } قبل هؤلاء الكفار الذين هم في عصر النبي صلى الله عليه وآله عن طريق الحق واتباع الهدى { أكثر الأولين } من كان قبلهم لان اللام في { لقد } هي لام القسم وتدخل على الجواب لقولك: والله لقد كان كذا، وقد تدخل للتأكيد. والضلال الذهاب عن الحق إلى طريق الباطل، تقول: ضل عن الحق يضل ضلالا. والاضلال قد يكون بمعنى الذم بالضلال والحكم عليه به، وقد يكون بمعنى الأمر به والاغراء كقوله { { وأضلهم السامري } }. والأكثر هو الأعظم في العدد، والأول الكائن قبل غيره. وأول كل شيء هو الله تعالى، لأن كل ما سواه فهو موجود بعده.
ثم أقسم انه أرسل فيهم منذرين من الأنبياء والرسل يخوفونهم بالله ويحذرونهم معاصيه. ثم قال { فانظر } يا محمد { كيف كان عاقبة المنذرين } والتقدير ان الأنبياء المرسلين لما خوفوا قومهم فعصوهم ولم يقبلوا منهم أهلكهم وأنزل عليهم العذاب، فانظر كيف كان عاقبتهم.
ثم استثنى من المنذرين في الاهلاك عباده المخلصين الذين قبلوا من الأنبياء، وأخلصوا عبادتهم لله تعالى، فان الله تعالى خلصهم من ذلك العذاب ووعدهم بالثواب.
ثم أخبر ان نوحاً نادى الله ودعاه واستنصره على قومه، وأنه تعالى أجابه، وانه - جل وعز - نعم المجيب لمن دعاه وتقديره فلنعم المجيبون نحن له ولما أجابه نجاه وخلصه وأهله من الكرب العظيم، فالنجاة هي الرفع من الهلاك واصله الرفع، فمنه النجوة المرتفع من المكان ومنه النجا النجا كقولهم الوحا الوحا. والاستنجاء رفع الحدث. والكرب الحزن الثقيل على القلب، قال الشاعر:

عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب

والكرب تحرير الأرض باصلاحها للزراعة. والكرب هو الذي يحمي قلب النخلة باحاطته بها وصيانته لها. والعظيم الذي يصغر مقدار غيره عنه. وقد يكون التعظيم في الخير والعظم في الشر والعظم في النفس. وقال السدي: معناه نجيناه وأهله من الغرق. وقال غيره: بل نجاهم من الأذى والمكروه الذي كان ينزل بهم من قومه، لانه بذلك دعا ربه فأجابه. وقيل: الذين نجوا مع نوح شيعته.
وقوله { وجعلنا ذريته هم الباقين } قال ابن عباس وقتادة: الناس كلهم من ذرية نوح بعد نوح. وقال قوم: العجم والعرب أولاد سام بن نوح والترك والصقالبة والخزر أولاد يافث بن نوح، والسودان أولاد حام ابن نوح.
وقوله { وتركنا عليه في الآخرين } قيل في معناه قولان:
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: { وتركنا عليه في الآخرين } يعني ذكراً جميلا، وأثنينا عليه في أمة محمد. ومعنى { تركنا } أبقينا، فحذف، فيكون { سلام على نوح في العالمين } من قول الله على غير جهة الحكاية.
الثاني - قال الفراء: تركنا عليه قولا هو أن يقال في آخر الامم: سلام على نوح في العالمين.
ثم قال { إنا كذلك نجزي المحسنين } كما فعلنا بنوح من الثناء الجميل، مثل ذلك نجزى من احسن أفعاله وتجنب المعاصي.