التفاسير

< >
عرض

إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ
٧١
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ
٧٢
فَسَجَدَ ٱلْمَلاَئِكَةُ كُـلُّهُمْ أَجْمَعُونَ
٧٣
إِلاَّ إِبْلِيسَ ٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ
٧٤
قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ
٧٥

التبيان الجامع لعلوم القرآن

يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله قل يا محمد { ما كان لي من علم بالملأ الأعلى } من الملائكة { إذ يختصمون.... إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين } يعني آدم عليه السلام، لأن الله تعالى خلقه من طين، فالخلق فعل الشيء على تقدير وترتيب وكان جعل آدم على مقدار ما تقتضيه الحكمة واصل الخلق التقدير. والبشر مأخوذ من البشرة، وهي الجلدة الظاهرة، والانسان مأخوذ من الانس، لأنه يأنس بمثله في ما يؤنس به، فجرى عليه الاسم، لأن هذا من شأنه { فإذا سوّيته } أي سويت خلق هذا البشر وتممت أعضاه وصورته { فقعوا له ساجدين } أي اسجدوا له. وقد بينا في ما مضى أن السجود كان لله تعالى وعبادة له وفيه تفضيلا لآدم على الملائكة وقوله { ونفخت فيه من روحي } فالروح جسم رقيق هوائي بها يتم كون الحي حياً لتخرقه في مخارق الانسان وهو مشتق من الريح، ومنه الراحة والاستراحة من الكد للخفة على النفس كالريح، ومنه الأريحة، والراحة كف الانسان لما يتراوح الناس اليها في العمل، ومنه الرواح إلى المنزل للاستراحة ومعنى { ونفخت فيه من روحي } أي توليت خلقها من غير سبب كالولادة التي تؤدي اليها، لان الله تعالى شرف آدم بهذه الحال وكرمه. وفي الكلام حذف وتقديره إن الله خلق آدم الذي وعدهم بخلقه ثم إن الملائكة سجدت بأجمعها له إلا إبليس الذي أمتنع، وقد بينا اختلاف الناس في أن إبليس هل كان من جملة الملائكة، ومن قبلهم او كان في جملتهم يتناول الأمر له بالسجود فلا نطوّل باعادته فمن قال لم يكن منهم، قال (إلا) بمعنى (لكن) وتقديره: لكن إبليس استكبر وتجبر وامتنع من السجود له، وكان بذلك الاباء والمخالفة من جملة الكافرين.
ثم حكى ما خاطب الله تعالى إبليس به حين امتنع من السجود لآدم { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } على وجه التقريع له والتهجين لفعله، وإنما قال { بيدي } على وجه تحقيق الاضافة لخلقة الله تعالى، لا انه أمر به او كان على سبب أدى اليه تعالى، والتثنية أشد مبالغة، كما قال الشاعر:

دعوت لما نابني مسوراً فلبي فلبي يدي مسور

لتحقيق اضافة المبالغة إلى مسور، ومثله قولهم: هذا ما كسبت يداك أى ما كسبته أنت قال الشاعر:

ايها المبتغي فناء قريش بيد الله عمرها والفناء

فوحد لتحقيق الاضافة. ثم قال له بلفظ الاستفهام والمراد به الانكار { استكبرت } يا إبليس أى طلبت التكبر بامتناعك من السجود له { أم كنت من العالين } الذين يعلون على الخلق تجبراً وتكبراً. وقرئ في الشواذ { بيدي أستكبرت } على وصل الهمزة. وروي ذلك عن مجاهد عن شبل ابن كثير اجتزاء بـ (أم) عن الف الاستفهام. ويحتمل أن يكون على اليمين، كأنه اقسم فقال بنعمتي الدينية والدنياوية تكبرت بل كنت من العالين بهذا الفعل فتكون على هذا (أم) منقطعة وعلى الأول وهو المعروف تكون معادلة لهمزة الاستفهام.