التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ
١٧
ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
١٨
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ
١٩
لَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ ٱلْمِيعَادَ
٢٠
-الزمر

التبيان الجامع لعلوم القرآن

اربع آيات بلا خلاف، في جملتها، وقد اختلفوا في تفصيلها فعد العراقيون والشامي واسماعيل { فبشر عبادي } ولم يعدها المكي، ولا المدني الأول، وعد المكي والمدني الأول { من تحتها الأنهار }.
لما اخبر الله تعالى عن هؤلاء الكفار وما أعده لهم من انواع العقاب، اخبر - هٰهنا - عن حال المؤمنين وما أعده لهم من الثواب فقال { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها } يعني الذين اجتنبوا عبادة الطاغوت والتقرب اليها بأنواع القرب. والطاغوت جماعة الشياطين في قول مجاهد والسدي وابن زيد. وإنما انث تأنيث الجماعة، ولفظه لفظ المذكر. وقيل إن كل ما عبد من دون الله، فهو طاغوت { وأنابوا إلى الله } أي تابوا اليه، واقلعوا عما كانوا عليه { لهم البشرى فبشر عباد } جزاء على ذلك والبشرى والبشارة واحد وهو الاعلام بما يظهر السرور به في بشرة الوجه، وضده السوءى وهو الاعلام بما يظهر الغم به في الوجه بما يسوء صاحبه.
ثم امر نبيه صلى الله عليه وآله فقال { فبشر عبادي } فمن اثبت الياء وفتحها، فلأنه الأصل ومن حذف الياء اجتزأ بالكسرة الدالة عليها، ثم وصف عباده الذين أضافهم إلى نفسه على وجه الاختصاص فقال { الذين يستمعون القول } يعني يصغون إلى تلاوة القرآن والأقوال الدالة على توحيده { فيتبعون أحسنه } إنما قال { أحسنه } ولم يقل حسنه لأنه اراد ما يستحق به المدح والثواب، وليس كل حسن يستحق به ذلك، لان المباح حسن ولا يستحق به مدح ولا ثواب. والأحسن الأولى بالفعل في العقل والشرع.
ثم اخبر تعالى فقال { أولئك } يعني هؤلاء الذين وصفهم من المؤمنين هم { الذين هداهم الله } يعني إلى الجنة وثوابها، وحكم بأنهم مهتدون إلى الحق { وأولئك هم أولوا الألباب } يعني اولوا العقول على الحقيقة، لأنهم الذين انتفعوا بعقولهم من حيث اتبعوا ما يجب اتباعه، والكفار وإن كان لهم عقول فكأنهم لا عقول لهم من حيث أنهم لم ينتفعوا بما دعوا اليه.
ثم قال تعالى على وجه التنبيه { أفمن حق عليه كلمة العذاب } أي وجب عليه الوعيد بالعقاب جزاء على كفره كمن وجب له الوعد بالثواب جزاء على ايمانه وحذف لدلالة الكلام عليه تنبيهاً على أنهما لا يستويان.
ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله { أفأنت تنقذ من في النار } وتقديره افأنت تنقذه، لا يمكنك ذلك، لان العقاب وجب له بكفره، واخبر تعالى انه لا يغفر له وإنما اتى بالاستفهام مرتين تأكيداً، للتنبيه على المعنى، قال الزجاج: معناه معنى الشرط والجزاء، والف الاستفهام - ها هنا - معناها التوقيف، والثانية في قوله { أفانت تنقذ } جاءت مؤكدة لما طال الكلام، لأنه لا يصلح أن يأتي بالف الاستفهام تارة في الاسم والأخرى في الخبر، والمعنى أفمن حق عليه كلمة العذاب أنت تنقذه او في سياق الكلام حذف. وفيه دليل على المحذوف. والمعنى افمن حق عليه كلمة العذاب، فيتخلص منه او ينجو منه افانت تنقذه أي لا تقدر عليه ان تنقذه، وقال الفراء: هما استفهام واحد وتقديره: أفانت تنقذ من حقت عليه كلمة العذاب من النار. ومثله
{ { أيعدكم أنكم إذا متم... أنكم مخرجون } وتقديره أيعدكم إنكم تخرجون إذا متم. ثم فسرّ وبين ما أعده للمؤمن كما فسر ما أعده للكافرين فقال { لكن الذين اتقوا ربهم } يعني اتقوا معاصيه { لهم غرف من فوقها غرف مبنية } في مقابلة ما قال للكافرين لهم من فوقهم ظلل من النار، ومن تحتهم ظلل لأنها تنقلب عليهم. وقيل: المعنى لهم منازل رفيعة في الجنة وفوقها منازل ارفع منها، فللمؤمنين الغرف { تجري من تحتها الأنهار } وتقديره تجري من تحت اشجارها الأنهار، ثم بين تعالى أن الذي ذكره من ثواب المؤمن { وعد } من { الله } وعد به المؤمن { لا يخلف الله الميعاد } أي لا يخلف الله وعده ولا يكون بخلاف ما اخبر به، ونصب { وعد الله } على المصدر.