التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
١٠٤
-النساء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

المعنى:
معنى قوله: { ولا تهنوا } لا تضعفوا يقال وهن فلان في الأمر يهن وهناً ووهوناً. وقوله في ابتغاء القوم يعني في طلب القوم. والقوم هم أعداء الله وأعداء المؤمنين من أهل الشرك { إن تكونوا } أيها المؤمنون { تألمون } مما ينالكم من الجراح منهم في الدنيا { فانهم } يعني المشركين { يألمون } أيضاً مما ينالهم منكم من الجراح والاذى مثل ما تألمون أنتم من جراحهم واذاهم { وترجون } أنتم أيها المؤمنون { من الله } الظفر عاجلا والثواب آجلا على ما ينالكم منهم { ما لا يرجون } هم على ما ينالهم منكم يقول: فأنتم إن كنتم مؤمنين من ثواب الله لكم على ما يصيبكم منهم بما هم مكذبون به فأولى وأحرى أن تصبروا على حربهم وقتالهم منهم على قتالكم وحربكم. وهو قول قتادة، والسدي، ومجاهد، والربيع، وابن زيد، وابن عباس، وابن جريج.
النزول:
وقال ابن عباس، وعكرمة: الآية نزلت في أهل أحد لما أصاب المسلمين ما أصابهم وصعد النبي (صلى الله عليه وسلم) الجبل وجاء أبو سفيان وقال يا محمد (صلى الله عليه وسلم) يوم لنا ويوم لكم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
"أجيبوه" ، فقال المسلمون لا سواء لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، فقال أبو سفيان عزّى لنا ولا عزّى لكم، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم. قال أبو سفيان اعل هبل، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) قولوا له: الله أعلى وأجل، فقال أبو سفيان موعدنا وموعدكم بدر الصغرى، ونام المسلمون وبهم الكلوم وفيهم نزلت { إن يمسسكم قرح فقد.. } الآية. وفيهم نزلت { إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون } لأن الله تعالى أمرهم على ما بهم من الجراح ان يتبعوهم وأراد بذلك ارهاب المشركين فخرجوا إلى بعض الطريق وبلغ المشركين ذلك فاسرعوا حتى دخلوا مكة.
المعنى واللغة:
وقال بعضهم معنى { وترجون من الله ما لا يرجون } أي تخافون من جهته ما لا يخافون كما قال:
{ { قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله } بمعنى لا يخافون. وقال قوم لا يعرف في كلام العرب الرجاء بمعنى الخوف إلا إذا كان في الكلام جحد سابق كما قال: { { ما لكم لا ترجون لله وقاراً } بمعنى لا تخافون لله عظيمة. وقال الشاعر:

لا ترتجى حين تلاقي الزائدا أسبعة لاقت معاً أو واحد

وقال أبو ذؤيب الهذلي:

إذا لسعته النحل لم يرج لسعها وحالفها في بيت نوب عوامل

قال: الفراء: نوب ونوب، وهو النحل. ولا يجوز أن تقول رجوتك بمعنى خفتك. وانما استعمل الرجاء بمعنى الخوف لأن الرجاء أمل قد يخاف ألا يتم. وهي لغة حجازية. قال الكسائي: لم أسمعها إلا بتهامة ويذهبون معناها إلى قولهم: ما أبالي وما أحفل قال الشاعر:

لعمرك ما أرجو إذا كنت مسلما على أي جنب كان لله مصرعي

أي ما أبالي. وقوله: { كان الله عليماً } يعني بمصالح خلقه حكيماً في تدبيره أياهم وتقديره أحوالهم.