التفاسير

< >
عرض

وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً
١٦
-النساء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

القراءة، واللغة:
قرأ ابن كثير: { واللذان } بتشديد النون، وكذلك: "هذان"وفذانك"، ووافقه أبوعمرو في: فذانك. الباقون بالتخفيف، قال أبو علي: من شدد النون فوجهه أنه عوض من الحذف الذي لحق الكلمة، لأن قولهم: (ذا) قد حذف لامها، وقد حذف الياء من اللذان في التثنية، لأن أصله اللذيان، فعوض عن ذلك التشديد، وفي العرب من يقول: اللذ بلا ياء، وفي التثنية اللذا، وفي الجمع اللذو، وللمرأة اللت، واللتا، واللات، بلا ياء، وطي تقول مكان الذي: ذو، ومكان التي: ذات.
المعنى:
والمعني بقوله: { اللذان } فيه ثلاثة أقوال:
أولها - قال الحسن، وعطا: الرجل والمرأة، وقال السدي وابن زيد: هما البكران من الرجل والنساء، وقال مجاهد: هما الرجلان الزانيان، قال الرماني: قول مجاهد لا يصح، لأنه لو كان كذلك لم يكن للنثية معنى، لأنه إنما يجيء الوعد والوعيد بلفظ الجمع، لأنه لكل واحد منهم، أو بلفظ الواحد لدلالته على الجنس الذي يعم جميعهم، وأما التثنية فلا فائدة فيها، قال: والأول أظهر. قال أبو مسلم: هما الرجلان يخلوان بالفاحشة بينهما، وروي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال:
" السحاق زناء النساء بينهن، ومباشرة الرجل للرجل زناء، ومباشرة المرأة للمرأة زناء،" قال: ولا يعرف في كلام العرب جمع بين الذكر والأنثى في لفظ التذكير إلا إذا تقدمه ما يدل عليه، كقوله: { { إن المسلمين والمسلمات } ثم قال: { { أعد الله لهم } وإلى هذا التأويل في معنى الرجلين ذهب أهل العراق، فلا يحدون للوطي، وهذا قول بعيد، والذي عليه جمهور المفسرين أن الفاحشة الزنا، وأن الحكم المذكور في الآية منسوخ بالحد المفروض في سورة النور، ذهب إليه الحسن، ومجاهد، وقتادة، والسدي، وابن زيد، والضحاك، والبلخي، والجبائي، والطبري، والزجاج، وغيرهم. وبعضهم قال: نسخها الحدود بالرجم أو الجلد.
وقوله: { فآذوهما } قيل في معناه قولان:
أحدهما - قال ابن عباس: هو التعيير باللسان، والضرب بالنعال. وقال قتادة، والسدي، ومجاهد: هو التعيير والتوبيخ، فان قيل: كيف ذكر الاذى بعد الحبس؟ قلنا: فيه ثلاثة أوجه:
أحدها - قال الحسن إن هذه الآية نزلت أولا، ثم أمر بأن توضع في التلاوة بعد، فكان الأذى أولا، ثم الحبس، بعد ذلك، ثم نسخ الحبس بالجلد أو بالرجم.
الثاني - قال السدي: انه في البكرين خاصة، دون الثيبين، والأولى في الثيبين دون البكرين.
والثالث - قال الفراء: هذه الآية نسخت الاولى، قال أبو علي الجبائي: في الآية دلالة على نسخ القرآن بالسنة، لأنها نسخت بالرجم أو الجلد، والرجم ثبت بالسنة، ومن خالف في ذلك يقول: هذه الآية نسخت بالجلد في الزنا، وأضيف إليه الرجم زيادة لا نسخاً، فلم يثبت نسخ القرآن بالسنة. فأما الأذى المذكور في الآية، فليس بمنسوخ، فان الزاني يؤذى ويعنف، ويوبخ على فعله، ويذم. وإنما لا يقتصر عليه، فزيد في الأذى إقامة الحد عليه، وإنما نسخ الاقتصار عليه.